Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
عالم السياسة

اكتشف التجربة التركية: هل تحمل الإجابات التي تبحث عنها سوريا؟

مقدمة:

في حوار معمق ضمن “صراحة بودكاست”، يكشف الدكتور عمر قماز، الأكاديمي والمستشار التركي ذو الخبرة الطويلة، عن جوانب مضيئة من التجربة التركية في النهضة والبناء. يقدم قماز تحليلاً شاملاً للمسيرة التركية، مستخلصًا منها دروسًا وعبرًا يمكن أن تكون بمثابة خارطة طريق للسوريين الطامحين لبناء دولتهم الحديثة. فتركيا، بتاريخها العثماني العريق، ونهضتها الحديثة التي مزجت بين الأصالة والمعاصرة، وبين التنمية الاقتصادية والعمق الثقافي، تقدم نموذجًا فريدًا يستحق الدراسة والتأمل. فما هي أبرز المحطات التي شكلت هذه التجربة؟ وما هي العوامل التي ساهمت في نجاحها؟ وكيف يمكن للسوريين استلهام هذه التجربة وتكييفها مع واقعهم الخاص وتحدياتهم الفريدة؟ يذكر الدكتور قماز أنه في عام 2005، أثناء زيارته لسوريا، تنبأ بالحرب الأهلية بسبب غياب الحريات. هذا الحس التحليلي العميق هو ما يميز رؤيته للتجربة التركية.

1. من الخلافة إلى الجمهورية: محطات مفصلية صنعت تركيا الحديثة:

نهضت تركيا الحديثة من بين أنقاض الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، كدولة فتية واجهت تحديات جسيمة. فقد ركزت النخبة المؤسسة على إعادة بناء الدولة، مع التركيز على التنمية الاقتصادية والثقافية. وقد شهدت هذه المرحلة صراعات داخلية حول الهوية والنظام السياسي، مما أثر على مسار الدولة الناشئة. ومع ذلك، فإن الانتقال إلى التعددية السياسية والحزبية، وإن شابته بعض التوترات، أسهم بشكل كبير في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وقد أدت تجربة التحالفات السياسية، بما لها وما عليها، إلى تدخل الجيش في الحياة السياسية، مما دفع في النهاية إلى تبني النظام الرئاسي كآلية للحفاظ على الاستقرار وتسريع عملية صنع القرار.

2. أربكان وأردوغان: مهندسا النهضة التركية الحديثة:

يمثل نجم الدين أربكان ورجب طيب أردوغان نموذجين للقيادة التي جمعت بين الرؤية الاستراتيجية والقدرة على التنفيذ. فقد كان أربكان، المهندس المفكر، صاحب رؤية اقتصادية واجتماعية شاملة، ركزت على الصناعة الثقيلة والأخلاق في الاقتصاد، وعلى أهمية التعاون مع الدول الإسلامية. وقد تجسدت هذه الرؤية في تأسيس مجموعة الدول الثماني الإسلامية، التي هدفت إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين الدول الأعضاء. أما أردوغان، القائد الميداني، فقد تخرج من مدرسة أربكان، وواصل مسيرته في التنمية الاقتصادية والسياسية، متميزًا بخطابته القوية وقدرته على التواصل مع الجماهير. “أردوغان لم يتغير ومنهجه لم يتغير”، يؤكد الدكتور قماز، فهو يعمل مع أهل التخصص في مختلف المجالات، وأعاد لتركيا دورها الريادي في المنطقة، كقوة إقليمية مؤثرة.

3. الإسلام والعلمانية: معادلة تركية فريدة:

تكشف التجربة التركية عن فهم متميز للعلاقة بين الإسلام والعلمانية. يوضح الدكتور قماز أن الأتراك يميزون بوضوح بين “الإسلاميين”، أصحاب الوعي السياسي الإسلامي، و”المحافظين”، الذين يمارسون شعائرهم الدينية دون بالضرورة الانخراط في العمل السياسي الإسلامي. وعلى الرغم من أن الإسلاميين يشكلون أقلية في تركيا، إلا أن تأثيرهم في السياسة والفكر لا يمكن إنكاره. أما حزب العدالة والتنمية، فيمثل طيفًا واسعًا من المحافظين، ويضم في صفوفه إسلاميين ومحافظين على حد سواء. اللافت للنظر هو أن الأتراك، كما يؤكد الدكتور قماز، ينظرون إلى العلمانية كأداة عملية لتنظيم شؤون الدولة وضمان التداول السلمي للسلطة، وليست كعقيدة إيديولوجية. إنها العلمانية التي تضمن حرية التدين والتعبير وتحمي حقوق الأقليات الدينية، وهذا ما يميزها عن النموذج الفرنسي الأكثر تشددًا، ويقربها من النموذج الأنجلوسكسوني الذي يسمح بقدر أكبر من التعبير الديني في الفضاء العام. ويتساءل المرء: هل يمكن لسوريا، بتنوعها الديني والثقافي، أن تستلهم هذا النموذج التركي في صياغة علمانيتها الخاصة؟

4. تحديات وصراعات: كيف واجهت تركيا عواصف التغيير؟:

لم تخلُ مسيرة النهضة التركية من التحديات والصعوبات، فقد شهدت تركيا صراعًا حادًا بين العلمانيين والإسلاميين، خاصة في الماضي. إلا أنه تم تجاوز هذا الصراع تدريجيًا، من خلال التركيز على المشتركات الوطنية والقيم الجامعة. وعلى الرغم من استمرار وجود تباين في وجهات النظر بين التيارات المختلفة، إلا أن هذا التباين لم يعق مسيرة التنمية والتقدم. كما واجهت تركيا تحديًا كبيرًا في التعامل مع المسألة الكردية، إلا أنها حققت تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، من خلال الحوار والتنمية وضمان حقوق الأكراد. “إن التعاون الإقليمي، خاصة مع سوريا والعراق، يساهم في حل هذه المسألة بشكل جذري”، يشدد الدكتور قماز.

5. التعليم والثقافة والفن: محركات النهضة التركية:

لعب التعليم والثقافة والفن دورًا محوريًا في النهضة التركية. فقد أولت تركيا اهتمامًا خاصًا بمدارس الأئمة والخطباء، التي ساهمت في تكوين جيل متوازن، يجمع بين الدين والعلم. “هذه المدارس لم تسمح بانتشار أي توجه متطرف ديني في تركيا”، يوضح الدكتور قماز. وقد تطورت هذه المدارس بشكل كبير، وأصبحت تنافس أفضل المدارس الخاصة في تركيا، كما ساهمت في منع التطرف الديني وتعزيز الوسطية والاعتدال. كما أولت تركيا اهتمامًا كبيرًا بالصناعات الثقيلة والعسكرية، منذ عهد أربكان، واستمر هذا الاهتمام في عهد أردوغان. وقد ساهمت هذه الصناعات في تعزيز الاستقلال الاقتصادي والسياسي لتركيا، وأصبحت شركة “بيكار” للطائرات المسيرة نموذجًا للنجاح في هذا المجال. أما الدراما والفن، فقد لعبا دورًا مهمًا في التعبير عن الثقافة التركية والتأثير في المجتمعات الأخرى. وقد ساهمت المسلسلات التركية في تعزيز الهوية الوطنية ونشر القيم الإيجابية، على الرغم من بعض التحديات المتعلقة بتحقيق التوازن بين الحرية الفنية والمسؤولية الاجتماعية.

6. من تركيا إلى سوريا: دروس مستفادة للمستقبل:

تقدم التجربة التركية دروسًا قيمة للسوريين في مسيرتهم نحو بناء دولتهم الحديثة:

  • الحرية أولاً: يؤكد الدكتور قماز أن “الحرية هي مفتاح النهضة في كل المجالات، فهي تطلق الطاقات الإبداعية وتعزز التنمية.” ويجب أن تكون هذه الحرية مصحوبة بالمسؤولية واحترام حقوق الآخرين، وأن تضمن حقوق الأقليات الدينية والعرقية وتحقق العدالة الاجتماعية.
  • الاقتصاد القوي: التنمية الاقتصادية هي أساس الاستقرار والازدهار، وهي تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية. ويجب أن تركز هذه التنمية على الصناعة والزراعة والخدمات، وتوفير فرص العمل للشباب، وأن تستفيد من الخبرات المحلية والدولية، وتشجع الاستثمار والابتكار.
  • التعليم المتميز: التعليم هو أساس بناء الإنسان والمجتمع، وهو يساهم في تحقيق التنمية المستدامة. ويجب أن يركز التعليم على الجودة والتميز وتلبية احتياجات سوق العمل، وأن يشجع على التفكير النقدي والإبداعي ويعزز القيم الإيجابية.
  • الوحدة في التنوع: الوحدة الوطنية هي أساس الاستقرار والتقدم، وهي تحمي المجتمع من التفكك والصراع. ويجب أن تحترم الوحدة الوطنية التنوع الثقافي والديني والعرقي، وتعزز التعايش السلمي، وأن تتجاوز الخلافات السياسية والفكرية وتركز على المشتركات الوطنية.
  • الانفتاح والتعاون: التعاون الإقليمي والدولي ضروري لتحقيق التنمية والأمن والاستقرار، ويجب أن يركز هذا التعاون على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وأن يستفيد من الخبرات والتجارب الناجحة ويعزز التبادل الثقافي والاقتصادي.

الخاتمة:

إن التجربة التركية، بكل ما فيها من نجاحات وتحديات، تقدم للسوريين خريطة طريق واضحة المعالم. والآن، يبقى السؤال: هل يمتلك السوريون الإرادة والعزيمة للسير على هذا الطريق، وبناء مستقبل مشرق لأجيالهم القادمة، مستفيدين من تجارب الآخرين، ومتسلحين بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين؟ إن استلهام التجربة التركية، وتكييفها مع الواقع السوري، هو التحدي الأكبر الذي يواجه السوريين اليوم.

شاهد الحلقة كاملة ولا تنس التعليق والمشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى