Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الفكر

الشيعة والنظام الإيراني: صراع الهويات وتأثيره على المنطقة

مقدمة:

لطالما كان الحديث عن الشيعة والطائفية موضوعًا شائكًا، يثير الكثير من الجدل وسوء الفهم، خاصة في ظل التوترات السياسية والأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة العربية في العقود الأخيرة. هذه المقالة تسعى إلى تقديم قراءة تحليلية معمقة للطائفة الشيعية، بدءًا من جذورها التاريخية والعقائدية، مرورًا بتطورها السياسي، وصولًا إلى دورها المحوري في الصراعات الإقليمية الراهنة، مع التركيز بشكل خاص على العلاقة المعقدة بين الشيعة والنظام الإيراني.
هدفنا هو تقديم مادة معرفية تساهم في فهم أعمق للقضايا المطروحة، بعيدًا عن التحيزات المسبقة، وبأسلوب تحليلي يراعي طبيعة جمهور المدونة: القارئ العربي المثقف والواعي، الساعي للتغيير والنهضة الحضارية، والمهتم بالشأن السياسي والفكري، والقضايا الاجتماعية والثقافية، وكذلك بالتطوير الذاتي.

1. الجذور التاريخية والعقائدية للشيعة: بين النص والتأويل

1-1 التشيع: المفهوم والأصول

التشيع لغة هو التأييد والمناصرة، واصطلاحًا يشير إلى اتباع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأنصار آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. إلا أن هذا المفهوم شهد تطورات كبيرة عبر التاريخ، وأُضيفت إليه تأويلات وتفسيرات متباينة، أدت إلى ظهور فرق وطوائف شيعية متعددة.

1-2 نشأة التشيع: السياق التاريخي والسياسي

يرتبط ظهور التشيع كتيار فكري وسياسي بالأحداث الدامية التي أعقبت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتحديدًا في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه. بدأت بوادر الانقسام مع ظهور شخصيات مثل عبد الله بن سبأ، الذي يُنسب إليه التحريض ضد عثمان، ثم تطورت الأمور مع مقتل عثمان، وبروز فكرة أحقية علي بالخلافة، وصولًا إلى معركتي الجمل وصفين.

“التشيع من بدايته ظهر بناء على أحداث تاريخية دموية… تشكل على أساس صراع سياسي دموي.”

1-3 تطور الفكر الشيعي: الإمامة، العصمة، الغيبة، والرجعة

مع مرور الوقت، تبلورت في الفكر الشيعي مفاهيم أساسية تميزه عن أهل السنة، مثل: الإمامة (الاعتقاد بأن عليًا وأبناءه هم الأئمة المعصومون الذين عينهم النبي خلفاء له)، والعصمة (الاعتقاد بعصمة الأئمة من الذنوب)، والغيبة (الاعتقاد بغيبة الإمام الثاني عشر، المهدي المنتظر)، والرجعة (الاعتقاد بعودة الأئمة وأعدائهم في آخر الزمان للانتقام).

1-4 الخلاف السني الشيعي: قراءة في الأصول

الخلاف بين السنة والشيعة ليس مجرد خلاف سياسي، بل يمتد إلى الأصول العقدية والفقهية. ففي حين يرى أهل السنة أن الصحابة جميعًا عدول، وأنهم نقلة الوحي، يرى الشيعة أن معظم الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي، وأنهم اغتصبوا الخلافة من علي. هذا الاختلاف الجذري في النظرة إلى الصحابة ينعكس بالضرورة على مصادر التشريع، وعلى فهم التاريخ الإسلامي.

2. الموقف من إيمان وكفر الشيعة: رؤية تحليلية

  1. 1 أقوال كفرية وخلاف في التكفير
    هناك بالفعل أقوال كفرية في بعض كتب الشيعة، مثل القول بتحريف القرآن، وهو أمر مختلف عليه حتى بين علماء الشيعة أنفسهم.
  2. 2 ابن تيمية والتعامل مع الشيعة

ابن تيمية، المعروف بشدته على الشيعة، لم يكفرهم بأعيانهم، بل وصفهم بأهل البدع، وأجاز الصلاة خلفهم، معتبرًا أن تكفير المعين يتوقف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه. وهذا الموقف يعكس فهمًا دقيقًا لأصول أهل السنة في التعامل مع المخالفين.

“كل من كان مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو خير من كل من كفر به وان كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة”

3. رؤية الشيعة لآخر الزمان: بين النبوءات والصراعات السياسية

  1. 1 المهدي المنتظر: محور الرؤية الشيعية

في الفكر الشيعي، يحتل المهدي المنتظر مكانة مركزية، فهو الإمام الغائب الذي سيعود ليملأ الأرض عدلًا بعد أن ملئت جورًا. هذه الرؤية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمظلومية التاريخية التي يشعر بها الشيعة، وباعتقادهم بأنهم أصحاب الحق المغتصب.

  1. 2 السفياني والدجال: مقارنة مع الرؤية السنية

في الرواية الشيعية، يظهر السفياني، وهو من نسل أبي سفيان، كعدو رئيسي للمهدي، يمثل “النواصب” (أي أهل السنة). أما الدجال، فدوره ثانوي في الرواية الشيعية مقارنة بالرواية السنية. هذا الاختلاف في الرؤية يعكس طبيعة الصراع التاريخي بين السنة والشيعة، ويؤثر على تفسير الأحداث السياسية.

“من النادر جدا انه الانسان هنا يتجرد وان يفكر خارج اطار انتماءاته الشخصية”

  1. 3 تأثير الرؤية الأخروية على السياسة

فهم رؤية الشيعة لآخر الزمان ضروري لفهم سلوكهم السياسي، خاصة فيما يتعلق بالنظام الإيراني، الذي يقوم على أساس عقدي شيعي (ولاية الفقيه). الاعتقاد بقرب ظهور المهدي، وبضرورة التمهيد لظهوره، قد يفسر بعض القرارات السياسية، وبعض التحركات الإقليمية.

4. التاريخ السياسي للطائفة الشيعية: من التمرد إلى الدولة

  1. 1 الدول الشيعية عبر التاريخ: صعود وهبوط

عرف التاريخ الإسلامي قيام دول شيعية متعددة، مثل الدولة الإدريسية في المغرب، والدولة الحمدانية في الشام والعراق، والدولة الفاطمية في مصر وشمال أفريقيا. هذه الدول، رغم اختلافاتها المذهبية، عكست طموح الشيعة في الوصول إلى السلطة، وتحقيق رؤيتهم السياسية.

  1. 2 ولاية الفقيه: من النظرية إلى التطبيق

نظرية ولاية الفقيه، التي ظهرت في القرن الرابع عشر الميلادي، مثلت تحولًا مهمًا في الفكر السياسي الشيعي. هذه النظرية تجيز للفقيه الجامع للشرائط أن ينوب عن الإمام الغائب في قيادة الأمة، وتطبيق الشريعة. وقد تجسدت هذه النظرية في قيام الدولة الصفوية في إيران، ثم في قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني.

5. النظام الإيراني: بين الثورة والطائفية

  1. 1 الثورة الإيرانية: السياق والأهداف

قيام الثورة الإيرانية عام 1979 كان حدثًا مفصليًا في تاريخ الشيعة والمنطقة. هذه الثورة، التي رفعت شعارات إسلامية، وأطاحت بنظام الشاه الموالي للغرب، سرعان ما تحولت إلى مشروع طائفي، يسعى إلى تصدير الثورة، وإقامة “هلال شيعي” يمتد من إيران إلى لبنان.

  1. 2 دور النظام الإيراني في الصراعات الإقليمية

النظام الإيراني، منذ قيامه، لعب دورًا بارزًا في الصراعات الإقليمية، من خلال دعم حركات وأحزاب شيعية في دول مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن. هذا الدعم، الذي يتخذ أشكالًا مختلفة (مالية، عسكرية، سياسية)، أدى إلى تأجيج الصراعات الطائفية، وإلى زعزعة استقرار المنطقة.

“تقريبا بما انه كل من يسمعني الان من السنه والجمهور كله سني فلذلك هذه رساله موجهه للسنه تثقيف وتوعيه لاهلنا من السنه”

6. المرجعيات والحوزات الشيعية: السلطة الدينية والسياسية

  1. 1 الحوزات العلمية: النشأة والتطور

الحوزات العلمية هي المؤسسات الدينية والتعليمية الرئيسية لدى الشيعة. هذه الحوزات، التي نشأت في مدن مثل النجف وقم، تخرج منها كبار العلماء والمراجع، الذين يتمتعون بنفوذ كبير على أتباعهم.

  1. 2 العلاقة بين المرجعيات والنظام الإيراني

العلاقة بين المرجعيات الشيعية والنظام الإيراني علاقة معقدة. ففي حين أن بعض المرجعيات تؤيد النظام الإيراني، وتدعم ولاية الفقيه، هناك مرجعيات أخرى تعارض هذه النظرية، وتنتقد تدخل النظام الإيراني في شؤون الدول الأخرى.

7. الخلافات داخل الطائفة الشيعية: صراع المصالح والرؤى

  1. 1 التنوع داخل الطائفة الشيعية

الطائفة الشيعية ليست كتلة واحدة متجانسة، بل تضم تيارات وفرقًا متعددة، تختلف في رؤاها العقائدية والسياسية. هذه الخلافات قد تصل إلى حد الصراع المسلح، كما حدث بين حركة أمل وحزب الله في لبنان.

  1. 2 الصراع بين المرجعيات والتيارات الشيعية

الصراع بين المرجعيات والتيارات الشيعية يعكس صراعًا على النفوذ والسلطة، وعلى تفسير الدين وتطبيقه. هذا الصراع يؤثر على المشهد السياسي في الدول التي توجد فيها طوائف شيعية كبيرة، مثل العراق ولبنان.


خاتمة

إن فهم الطائفة الشيعية، بتاريخها وعقائدها وتطورها السياسي، ضروري لفهم طبيعة الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية. هذه المقالة حاولت أن تقدم قراءة تحليلية معمقة لهذه القضايا، بعيدًا عن التحيزات المسبقة، وبأسلوب يراعي طبيعة جمهور المدونة.
إن الصراع بين السنة والشيعة ليس صراعًا عقديًا فحسب، بل هو أيضًا صراع سياسي، تغذيه التدخلات الخارجية، والمصالح الإقليمية. ولذلك، فإن أي محاولة لحل هذا الصراع يجب أن تأخذ في الاعتبار هذه الأبعاد المتعددة، وأن تسعى إلى بناء جسور الثقة، وتعزيز قيم المواطنة والعيش المشترك.
يبقى الأمل معقودًا على نهضة فكرية وسياسية في العالم العربي، تعيد الاعتبار لقيم العقل والتسامح والتعاون، وتتجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية، من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى