Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
عالم السياسة

بين الحكم والمقاومة: كيف أتقنت حماس المعادلة الصعبة؟

مقدمة:

في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، يبرز سؤال محوري: كيف استطاعت حركة حماس، على مدار عقود، أن تجمع بين مسارين يبدوان متعارضين – مسار الحكم في قطاع غزة ومسار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي؟ هذا التساؤل يكتسب أهمية مضاعفة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” الأخيرة، التي هزت المنطقة والعالم، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولي.

في هذا المقال، نغوص في تحليل معمق لتطور حركة حماس، مستندين إلى حوار ثري مع الدكتور طارق حمود، الباحث المتخصص في الشأن الفلسطيني. نسعى لفهم الجذور الفكرية والتاريخية للحركة، واستراتيجياتها المتنوعة، وقدرتها الفريدة على التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية. كما نتطرق إلى مستقبل حماس في المشهد الفلسطيني المتشابك، ودورها المحتمل في معادلة الحكم والمقاومة، في ظل التحديات الجسام والفرص المتاحة.

1. طوفان الأقصى: زلزال استراتيجي يغير قواعد اللعبة

1.1. نتائج الحرب تسبق البداية: اختراق استراتيجي غير مسبوق

يشير الدكتور طارق حمود في بداية حديثه إلى أن عملية “طوفان الأقصى” لم تكن مجرد جولة قتال أخرى في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل كانت زلزالا استراتيجيا ذا نتائج فورية وتأثيرات بعيدة المدى. فبغض النظر عن التطورات الميدانية اللاحقة للحرب، يبقى الحدث الأهم هو ذلك الاختراق الاستخباري والعسكري غير المسبوق الذي حققته المقاومة الفلسطينية.

1.2. انهيار صورة “إسرائيل” القوية: تحول في الوعي الجمعي

لم يقتصر تأثير الطوفان على الجانب العسكري، بل امتد ليطال الصورة الذهنية لإسرائيل في الوعي الجمعي العربي والعالمي. فقد اهتزت صورة “الوحش المدجج بالتكنولوجيا والقوة” الذي لا يقهر، وتحولت إلى كيان قابل للاختراق والضرب. هذا التحول في الصورة، بحسب الدكتور حمود، هو “نتيجة لن يستطيع أي انتصار عسكري فيما بعد أن يمحوها من الذاكرة الجمعية”.

1.3. إعادة اكتشاف الهوية الفلسطينية والعربية: الصحوة بعد التطبيع

يُعيد الطوفان القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ويساهم في إعادة اكتشاف الفلسطينيين والعرب لهويتهم في ظل موجات التطبيع الأخيرة. فقد كشفت استطلاعات الرأي عن “نسب غير مسبوقة” من الوعي بالقضية واستعادتها للزخم، مما يشير إلى أن محاولات تجاوز القضية الفلسطينية وتهميشها لم تنجح.

2. حماس: حركة ولدت مرات عديدة

2.1. التنظيم الذي يولد أكثر من مرة: القدرة على التجدد الذاتي

يتميز تنظيم حماس، بحسب الدكتور حمود، بقدرة فريدة على التجدد وإعادة الإنتاج. فخلافًا للتنظيمات التقليدية التي تمر بمراحل ولادة ونمو وشيخوخة، شهدت حماس “ولادات متعددة” عبر تاريخها، حيث كانت تصعد ثم تهبط ثم تصعد مرة أخرى، مما يعكس مرونتها وقدرتها على التعافي من الضربات وإعادة بناء نفسها.

2.2. من ضربة 1989 إلى مرج الزهور: الولادة من رحم المحنة

في عام 1989، تعرضت حماس لضربة قاسية أدت إلى اعتقال معظم قياداتها، بمن فيهم الشيخ أحمد ياسين. لكن هذه الضربة لم تكن نهاية الحركة، بل كانت حافزًا لولادة جديدة. ففي عام 1992، جاءت عملية إبعاد المئات من كوادر الحركة إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، لتتحول المحنة إلى فرصة. فقد تحول مرج الزهور إلى منصة إعلامية عالمية للحركة، وساهم في إعادة طرحها كقوة فاعلة على الساحة الفلسطينية.

2.3. أوسلو والانتفاضة الثانية: منعطفات تعيد تعريف الحركة

شكل اتفاق أوسلو تحديًا كبيرًا لحماس، حيث واجهت الحركة موجة جارفة من التأييد الشعبي للسلام. لكن حماس استطاعت التكيف مع هذا الواقع، وطرحت فكرة التحول إلى حزب سياسي وترك العمل المسلح. إلا أن اغتيال يحيى عياش وعمليات الثأر التي تلته، أعادت إنتاج اسم الحركة من جديد، في وقت كانت فيه تتجه نحو تغيير مسارها. لاحقًا، جاءت الانتفاضة الثانية لتشكل ولادة جديدة لحماس، حيث تبنت الحركة العمل المسلح بشكل واسع، وأصبحت في قلب المقاومة ضد الاحتلال.

3. حماس وغزة: علاقة فريدة من نوعها

3.1. غزة وحماس: توأمة تاريخية تتجاوز السياسة

تتمتع حماس بخصوصية فريدة في قطاع غزة، حيث تتجاوز العلاقة بينهما مجرد الدعم السياسي لتصل إلى حد “التوأمة التاريخية”. فغزة، التي كانت في فترة من الفترات “عاصمة الماركسية”، تحولت إلى معقل رئيسي للتيار الإسلامي، وحماس هي جزء لا يتجزأ من هذه الهوية الجديدة للقطاع.

3.2. الجذور التاريخية: الإخوان المسلمين في غزة

تعود جذور هذه العلاقة إلى فترة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين عام 1945. ففي حين ضعف تنظيم الإخوان في مناطق فلسطينية أخرى، حافظ على تماسكه في قطاع غزة. وبعد نكبة 1948 وانقسام فلسطين، بقيت مجموعة غزة مرتبطة بالتنظيم الأم في مصر، وحافظت على هويتها المتميزة.

3.3. حاضنة شعبية متجذرة: عائلات وبنى اجتماعية وهوية محلية

نجحت حماس في بناء حاضنة شعبية قوية في غزة، تصل إلى مئات الآلاف من الأعضاء والأنصار. هذه الحاضنة ليست مجرد دعم سياسي عابر، بل هي تجذر عميق في النسيج الاجتماعي الغزي، حيث أصبح التيار الإسلامي جزءًا من “الهوية المحلية” لأبناء غزة، يتداخل مع العادات والتقاليد والبنى الاجتماعية والثقافية.

4. براغماتية حماس وتكيفها مع المتغيرات

4.1. التنظيم الأكثر براغماتية: مرونة في التعامل مع الواقع

خلافًا للصورة النمطية التي قد تُروج عنها، يصف الدكتور حمود حماس بأنها “التنظيم الأكثر براغماتية فلسطينيا”. ويستدل على ذلك بقدرة الحركة على التكيف مع المتغيرات، وتقديم استجابات سياسية مرنة، وعدم الاصطدام عسكريًا بأي نظام عربي.

4.2. وثيقة 2017: ذروة البراغماتية السياسية

تجلت براغماتية حماس في إصدارها “وثيقة 2017″، التي عكست تطورًا كبيرًا في خطاب الحركة السياسي. فقد تضمنت الوثيقة إشارات إيجابية تجاه حل الدولتين، وقبول الدولة الفلسطينية بحدود 1967 كمرحلة، وفصل بين حماس وجماعة الإخوان المسلمين. إلا أن هذه الوثيقة، بحسب الدكتور حمود، لم يتم استثمارها دوليًا وإقليميًا، بسبب غياب المسار السياسي وعدم وجود إرادة حقيقية لتسوية الصراع.

4.3. استجابات غير مُصرفة: مرجل الضغط ينفجر في الطوفان

يرى الدكتور حمود أن عملية “طوفان الأقصى” جاءت كنتيجة طبيعية لوضع “راهن أصبح غير ممكن الاستمرار معه”. فحماس قدمت استجابات سياسية مرنة، لكنها لم تجد آذانًا صاغية أو مسارًا سياسيًا يُصرف هذه الاستجابات. تراكم الضغط وعدم وجود أفق سياسي، دفع الحركة إلى “تغيير الوضع الراهن” بعملية نوعية مثل “طوفان الأقصى”.

5. مستقبل حماس بعد طوفان الأقصى

5.1. حماس اليوم أقوى من 6 أكتوبر: تجذر الفكرة في الشارع

على الرغم من التحديات الجسام التي تواجهها، يرى الدكتور حمود أن “حماس اليوم أقوى من 6 أكتوبر بكل تأكيد”. فقد تعزز تجذر فكرة المقاومة في الشارع الفلسطيني والعربي والعالمي، وأصبح اسم حماس يتردد بقوة في أوساط الرأي العام العالمي.

5.2. المستقبل الفلسطيني غير ممكن بدون حماس: معادلة الحكم والمقاومة

يخلص الدكتور حمود إلى أن “المستقبل الفلسطيني غير ممكن بدون حماس”. فالحركة أصبحت قوة رئيسية في المشهد الفلسطيني، ولا يمكن تجاوزها أو تهميشها. تبقى المعادلة الصعبة هي كيفية الجمع بين مسار الحكم في غزة ومسار المقاومة، وكيفية استثمار الزخم الشعبي والدولي المتزايد للقضية الفلسطينية في تحقيق أهداف سياسية ملموسة.

6. الفلسطينيون في الشتات ودورهم بعد الطوفان

6.1. الشتات الفلسطيني: قوة ناعمة لتغيير الوعي العالمي

يشكل الشتات الفلسطيني قوة ناعمة هائلة يمكن استثمارها في تغيير الوعي الجمعي العالمي تجاه القضية الفلسطينية. فالفلسطينيون في الخارج، المنتشرين في قارات العالم، يمتلكون القدرة على نقل روايتهم وقضيتهم إلى المجتمعات التي يعيشون فيها، والتأثير في الرأي العام وصناع القرار.

6.2. من مظاهرات التضامن إلى حركات التغيير الاجتماعي: إمكانية التحول إلى قوة ضاغطة

شهد العالم بعد “طوفان الأقصى” موجة تضامن واسعة مع القضية الفلسطينية، تجسدت في مظاهرات حاشدة في مختلف العواصم والمدن. هذه المظاهرات، بحسب الدكتور حمود، قد تتحول إلى “حركة اجتماعية” قادرة على إحداث تغيير حقيقي، على غرار حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

خاتمة:

في الختام، يتبين أن حركة حماس قد أتقنت، بمرور الوقت وتراكم التجارب، فن المعادلة الصعبة بين الحكم والمقاومة. فقد استطاعت الحركة أن تحافظ على جذوة المقاومة مشتعلة، في وجه التحديات الهائلة، وأن تبني قاعدة حكم في قطاع غزة، في ظل حصار خانق. يبقى التحدي الأكبر أمام حماس، وكافة القوى الفلسطينية، هو كيفية استثمار اللحظة التاريخية الراهنة، وتحويل الزخم الشعبي والدولي المتزايد إلى مكاسب سياسية حقيقية، تخدم القضية الفلسطينية وتطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والعدالة وتقرير المصير.

شاهد الحلقة كاملة ولا تنس التعليق والمشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى