Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
عالم السياسة

كيف نستثمر طوفان الأقصى لبناء مشروع فلسطيني أممي؟

الجدول

مقدمة: أهمية تفكيك السردية الصهيونية وبناء مشروع فلسطيني أممي

في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها قضية فلسطين، وبعد مرور عام على معركة طوفان الأقصى، يزداد التساؤل حول طبيعة وقوة النفوذ الصهيوني في المؤسسات الغربية، وخاصة الأمريكية. إن فهم مصادر قوة الاحتلال وأدوات سيطرته، وعلى رأسها اللوبي الصهيوني، أصبح ضرورة حتمية لتفكيك هذه المنظومة ومواجهتها، خاصة بعد أن قدم لنا طوفان الأقصى فرصة تاريخية لتحقيق ذلك.

في هذه المقالة، نستلهم من حوار ثري مع الباحث والأكاديمي القطري الدكتور نايف بن نهار، رؤى عميقة حول تفكيك السردية الصهيونية، ووضع أسس متينة لبناء مشروع فلسطيني أممي قادر على منافسة المشروع الصهيوني وإلحاق الهزيمة به. نغوص في تحليل قوة اللوبي الصهيوني، ونكشف عن ركائز سرديته المضللة، ونستكشف خطوات عملية لبناء مشروع فلسطيني عالمي فاعل ومؤثر.

1. هيمنة اللوبي الصهيوني على صناعة القرار الأمريكي: حقيقة أم وهم؟

لا يزال الجدل قائماً حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهل هي علاقة تبعية أم سيطرة متبادلة؟ بينما يرى فريق أن أمريكا هي المهيمنة المطلقة، وأن إسرائيل مجرد أداة لتحقيق مصالحها، يرى فريق آخر، يميل إليه الدكتور نايف بن نهار، أن إسرائيل هي التي تهيمن على الولايات المتحدة، وأن اللوبي الصهيوني هو الذراع الطولى لهذه الهيمنة.

يستند هذا الرأي الأخير إلى معطيات الواقع، حيث نرى التهافت غير المسبوق من المرشحين الأمريكيين على إرضاء إسرائيل، والتسابق المحموم بينهم لتقديم فروض الطاعة والولاء، في مقابل الغياب شبه التام لهذا التهافت من الجانب الإسرائيلي على رضاء الأمريكان. هذا التباين يفسر لنا من يهيمن على الآخر، ويؤكد أن إسرائيل، من خلال اللوبي الصهيوني، باتت قوة مؤثرة تتحكم في صناعة القرار الأمريكي.

2. كيف يسيطر اللوبي الصهيوني على أمريكا؟

يكمن سر قوة اللوبي الصهيوني في النظام الديمقراطي الأمريكي نفسه، الذي يحمل في طياته ثغرة مميتة، وهي ثغرة الاختراق الخارجي. فالنظام الديمقراطي، وخاصة الديمقراطيات التمثيلية، يعتمد على الحاجات الانتخابية للمرشحين، من تمويل حملاتهم الانتخابية، وتشكيل برامجهم، والتواصل مع قواعدهم الشعبية، وشن الحملات الإعلامية. هذه الحاجات الانتخابية الهائلة، لطالما كانت المدخل الذي تتسلل من خلاله القوى الأجنبية إلى الدول الديمقراطية.

أدرك اللوبي الصهيوني هذه الثغرة مبكراً، واستثمرها بذكاء من خلال تأسيس “الايباك” (AIPAC) في عام 1954، والذي تحول لاحقاً إلى قوة ضغط هائلة، تهيمن على صناعة القرار الأمريكي. يقدم الايباك خدمات جمة للمرشحين السياسيين، من تمويل حملاتهم الانتخابية، وإعداد برامجهم، وتشويه خصومهم، وضمان وصولهم إلى الكونجرس. هذه الخدمات، بالإضافة إلى الدعم المالي الهائل، تجعل من الايباك قوة لا يستهان بها في المشهد السياسي الأمريكي.

3. العقيدة الإنجيلية ودعم المشروع الصهيوني: تحالف غير مقدس؟

لا تقتصر قوة اللوبي الصهيوني على الجانب المالي والسياسي فحسب، بل تتعداه إلى الجانب العقائدي، حيث تلتقي مصالح اللوبي الصهيوني مع تيار مسيحي قوي في الولايات المتحدة، وهو التيار الإنجيلي. يؤمن الإنجيليون بحرفية ما ورد في العهد القديم والعهد الجديد، ومن بين هذه المعتقدات نبوءة “هرمجدون”، التي تشير إلى معركة فاصلة ستقوم في أرض فلسطين، وستسبق نزول المسيح عليه السلام.

يرى الإنجيليون أن قيام دولة إسرائيل وعودة اليهود إليها من كل مكان، هو شرط أساسي لتحقق هذه النبوءة ونزول المسيح. لذلك، يدعمون إسرائيل ودعمها المطلق، ليس حباً في اليهود، بل رغبة في تحقيق نبوءتهم الدينية. هذا التحالف العقائدي بين الصهيونية والإنجيليين، يمنح المشروع الصهيوني قوة دفع إضافية في الولايات المتحدة.

4. تفكيك ركائز السردية الصهيونية

لتحقيق هزيمة حقيقية للمشروع الصهيوني، لا بد من تفكيك سرديته المضللة، التي يعتمد عليها في تبرير وجوده واستمراره. تتكون هذه السردية من عدة ركائز أساسية، يجب فضحها وتفنيدها:

1. 4. المظلومية والهولوكوست: استغلال الضحية

تعتبر “الهولوكوست” جوهر الهوية اليهودية المعاصرة، والركيزة الأساسية في سردية المظلومية الصهيونية. يستغل الصهاينة هذه الحادثة المأساوية لتبرير جرائمهم بحق الفلسطينيين، والادعاء بأنهم شعب مظلوم يستحق الحماية والدعم المطلق. من الخطأ إنكار “الهولوكوست”، ولكن الصواب هو فك العلاقة بين الظلم الذي حصل واستغلاله الصهيوني. الظلم الذي وقع على اليهود في أوروبا لا يبرر الظلم الصهيوني بحق الفلسطينيين.

2. 4. الحق التاريخي: أسطورة الأرض الموعودة

يدعي الصهاينة أن لهم “حقاً تاريخياً” في أرض فلسطين، وأنها “أرضهم الموعودة”. هذه السردية تتجاهل الحقائق التاريخية والجغرافية، وتتناسى أن فلسطين كانت مأهولة بشعوب أخرى قبل ظهور اليهودية، وأن الفلسطينيين هم السكان الأصليون لهذه الأرض. الأهم من ذلك، أن المشروع الصهيوني يواجه تحدياً جوهرياً في إثبات “يهودية” غالبية المنتسبين إلى اليهودية اليوم، مما يضعف من مصداقية ادعاء “الحق التاريخي”.

3. 4. الدولة الديمقراطية الوحيدة: ديمقراطية المال المسروق

يروج الصهاينة لأنفسهم كـ “الدولة الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط، ويستغلون هذه الدعاية لكسب الدعم الغربي. يجب فضح زيف هذه الديمقراطية، التي تقوم على أرض مغتصبة، وتعتمد على نظام فصل عنصري (أبارتيد) بحق الفلسطينيين. ديمقراطية إسرائيل هي كـ “التبرع من المال المسروق”، فهي ديمقراطية زائفة، لا تستند إلى قيم العدل والمساواة.

4. 4. الدولة التقدمية الوحيدة: معايير التقدم المادية والإنسانية

يدعي الصهاينة أن إسرائيل هي “الدولة المتقدمة الوحيدة” في المنطقة، ويستندون في ذلك إلى التطور التكنولوجي والمادي. يجب تفكيك هذا المفهوم المادي للتقدم، والتأكيد على أن التقدم الحقيقي هو التقدم الإنساني، الذي يقاس باحترام حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والقيم الأخلاقية. بمعايير التقدم الإنساني، تتراجع إسرائيل إلى ذيل القائمة، بسبب جرائمها وانتهاكاتها بحق الفلسطينيين.

5. 4. اشتراك القيم: وهم القيم المشتركة

يزعم الصهاينة أن هناك “اشتراكاً قيمياً” بين إسرائيل والغرب، وخاصة الولايات المتحدة. هذه السردية تتجاهل الفجوة القيمية الهائلة بين الطرفين. أمريكا تقوم على فكرة المساواة المطلقة بين البشر، بينما إسرائيل دولة عنصرية تؤمن بالتميز العرقي، وتنكر المساواة بين البشر. لا يوجد أي اشتراك قيمي حقيقي بين إسرائيل والغرب، سوى الاشتراك في تاريخ من الاحتلال والاستعمار والجرائم بحق الشعوب الأخرى.

6. 4. شيطنة الآخر: صناعة المصطلحات كسلاح

يعتمد الصهاينة على “شيطنة الآخر” كأداة أساسية في سرديتهم، ويستخدمون “صناعة المصطلحات” كسلاح فعال في هذه الشيطنة. يطلقون مصطلحات مثل “معاداة السامية” على كل من ينتقد المشروع الصهيوني، بهدف إسكات الأصوات المعارضة وتخويف المنتقدين. يجب فضح هذه المصطلحات المضللة، والرد عليها بمصطلحات مضادة، تكشف حقيقة المشروع الصهيوني وجرائمه.

5. بناء مشروع فلسطيني أممي لمواجهة الصهيونية

إن تفكيك السردية الصهيونية ليس كافياً، بل يجب أن يتزامن مع بناء مشروع فلسطيني أممي، قادر على مواجهة المشروع الصهيوني وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. يقترح الدكتور نايف بن نهار سبع أسس لبناء هذا المشروع:

1. 5. صندوق الوقف الفلسطيني: القاعدة المالية للمشروع

يجب تأسيس “صندوق الوقف الفلسطيني” كقاعدة مالية ثابتة للمشروع، يعتمد على تبرعات المسلمين حول العالم، وخاصة المسلمين الأمريكيين، الذين يمتلكون قدرات مالية هائلة. هذا الصندوق يضمن استمرارية المشروع واستقلاليته عن التمويل المشروط.

2. 5. تشخيص الإمكانات الإسلامية وتفعيلها

يجب تشخيص الإمكانات الهائلة التي تمتلكها الأمة الإسلامية، من قدرات مالية وعقول وعلوم وإعلام وقانون، وتفعيلها في خدمة المشروع الفلسطيني. الأمة الإسلامية كالسيوف الجميلة في أغمادها، تحتاج إلى قيادة استراتيجية تنزعها وتنازل بها.

3. 5. اللجنة القانونية: ملاحقة جرائم الصهيونية ومؤيديها

يجب إنشاء “لجنة قانونية” تلاحق كل مسؤول غربي أو عربي يؤيد الجرائم الصهيونية أو يدعم إسرائيل، وفتح ملفات قضائية ضدهم في الدول التي تحترم القانون. هذه اللجنة تجعل المسؤول يرتجف ويفكر ألف مرة قبل أن يغرد تغريدة واحدة تاييداً للكيان الصهيوني.

4. 5. اللجنة الاقتصادية: محاصرة الكيان الصهيوني اقتصادياً

يجب إنشاء “لجنة اقتصادية” تراقب وترصد كل حركات الاستثمار من وإلى الكيان الصهيوني، وملاحقة الشركات التي تستثمر في إسرائيل، وتوعيتها بأنها شريك أساسي في الجرائم الصهيونية. سلاح المقاطعة سلاح جبار، يجب استثماره بشكل فعال لمحاصرة الكيان الصهيوني اقتصادياً.

5. 5. اللجنة الفكرية والدينية والرقمية والإعلامية

بالإضافة إلى اللجان السابقة، يجب إنشاء لجان متخصصة في المجالات الفكرية والدينية والرقمية والإعلامية، لمواجهة السردية الصهيونية على كافة الأصعدة، وتقديم سردية فلسطينية بديلة مقنعة ومؤثرة.

6. طوفان الأقصى: نقطة تحول في الصراع وأفول السردية الصهيونية

يشكل طوفان الأقصى نقطة تحول مفصلية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وضربة قاصمة للسردية الصهيونية. لقد كشف الطوفان زيف القيم الغربية، وعرّى ازدواجية المعايير، وفضح جرائم الاحتلال أمام العالم. الأهم من ذلك، أن الطوفان أحدث اختراقاً حقيقياً للمشروع الصهيوني، ورفع كلفة دعمه إلى مستويات غير مسبوقة، وأضعف من مفهوم “إرادة البقاء” الذي يقوم عليه الكيان الصهيوني.

7. مفهوم النصر في الإسلام: الثبات والمقاومة

في خضم التحديات والصعاب، يجب أن نستلهم مفهوم النصر من التصور الإسلامي، الذي يختلف عن التصور المادي السائد اليوم. النصر في الإسلام ليس مجرد مكسب دنيوي سريع وملموس، بل هو “الثبات” في المواجهة، والصبر على الابتلاء، والتمسك بالحق، والثقة بوعد الله. الثبات الذي رزقه الله للمقاومين في غزة، هو في حد ذاته نصر إلهي، وبشرى بنصر مادي قادم بإذن الله.

خاتمة: نحو مشروع فلسطيني أممي فاعل ومؤثر

في الختام، نؤكد أن تفكيك السردية الصهيونية وبناء مشروع فلسطيني أممي، ليس مجرد خيار استراتيجي، بل هو ضرورة حتمية لتحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني، ولحماية الأمة الإسلامية من خطر المشروع الصهيوني. إن طوفان الأقصى قدم لنا فرصة تاريخية، يجب استثمارها بوعي وحكمة، لبناء مشروع فلسطيني عالمي فاعل ومؤثر، يرتقي إلى مستوى التضحيات الجسام التي قدمها أهل غزة، ويحقق آمال الأمة في استرداد الحق الفلسطيني وتحرير الأرض والمقدسات.

شاهد الحلقة كاملة ولا تنس التعليق والمشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى