حوار حصري مع قائد الإدارة الانتقالية أحمد الشرع

شهدت سوريا تحولاً تاريخياً خلال العشرين يوماً التي تلت سقوط النظام السابق، وفي حوارٍ حصريّ مع قناة العربية، يُلقي قائد الإدارة الانتقالية أحمد الشرع الضوء على هذه المرحلة الفارقة، متناولاً التحديات والفرص التي تواجه البلاد في مسيرتها نحو بناء مستقبل جديد.
أربع عشرة سنة من المعاناة: بدايةٌ صعبة
يُستهلّ الشرع حديثه بالإشارة إلى المعاناة التي امتدت لأربع عشرة سنة، ووصفها بـ”المليئة بالمصائب”. فقد شهدت سوريا نزوحاً واسعاً، ولجوءاً جماعياً، وخسائر بشرية فادحة، إضافةً إلى سجون التعذيب والمعتقلين المفقودين. ويؤكد على تعقيد الصراع، الذي تضمن تدخلاتٍ لقوى إقليمية ودولية كبرى، منها روسيا، الولايات المتحدة، إيران، تركيا، وإسرائيل، مما أدى إلى تعثّر الحلول السياسية. ويوضح أن الخيار العسكري، رغم تعقيداته، راعى العديد من الاعتبارات، أهمها إعادة النازحين واللاجئين إلى ديارهم، ودخول المدن الكبرى دون تدميرها أو تهجير سكانها. ويُبرّر الشرع اللجوء إلى “الحرب الخاطفة” بمنع حرب إقليمية واسعة، وحفظ أمن الخليج لما لا يقل عن خمسين عاماً.
إزالة مرضٍ استمر أربعين عاماً: تصدير الثورة الإيرانية
يرى الشرع أن مشروع تصدير الثورة الإيرانية إلى البلدان العربية، مستخدماً قضية فلسطين كواجهة، أدى إلى انتشار النعرات الطائفية، الفساد، وإنتاج المخدرات، لا سيما الكبتاجون، على نطاق واسع. ويصف دمشق بأنها أصبحت “أكبر مصنع كبتاجون في العالم”، مؤكداً على أهمية سوريا الاستراتيجية وأمنها بالنسبة لأمن المنطقة برمتها. ويعتبر ما حدث في سوريا بمثابة “مرضٍ أقام في الدول العربية لمدة أربعين عاماً، وأزيل في أحد عشر يوماً”.
مرحلة انتقالية معقدة: دستور، انتخابات، واقتصاد
يُحدد الشرع المرحلة الانتقالية بثلاث مراحل رئيسية: استلام الحكم، مرحلة انتقالية، ثم الانتخابات. ويشير إلى أن صياغة دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي ستستغرق وقتاً طويلاً، ربما سنتين أو ثلاث سنوات، نظراً لضرورة إعادة تأسيس الدولة من جديد. ويشدد على ضرورة إصلاح البنية التحتية المتضررة، معالجة الانقسامات المجتمعية، وسنّ قوانين جديدة تتناسب مع تطلعات الشعب السوري. ويوضح أن إجراء الانتخابات يتطلب وقتاً أيضاً، بسبب هجرة أكثر من 15 مليون سوري، و ضرورة إجراء تعداد سكاني دقيق. أما على الصعيد الاقتصادي، فيؤكد الشرع على ضرورة بناء بنية اقتصادية حديثة، بعيداً عن العقليات الاشتراكية القديمة، مع التركيز على الاقتصاد الرأسمالي الغربي، و زيادة الإنتاج المحلي.
مؤتمر الحوار الوطني: نحو قراراتٍ شاملة
يُبرز الشرع أهمية مؤتمر الحوار الوطني، الذي سيشمل جميع مكونات المجتمع السوري، من أجل الوصول إلى قراراتٍ هامة، كحلّ الدستور أو حلّ البرلمان. ويؤكد رغبته في إخراج سوريا من إصدار القرارات العسكرية أو عن طريق القوة، مشدداً على رغبته في أن تكون القرارات المصيرية صادرة عن مؤتمر شامل.
النموذج الإدلبي: دروسٌ مستفادة
يناقش الشرع “النموذج الإدلبي” في إدارة المناطق المحررة، مؤكداً أنه لا يصلح لتطبيقه على كامل سوريا، لكنه كان ناجعاً في مرحلة معينة. ويشير إلى إيجابياته في بناء مؤسساتٍ وتوفير الخدمات في منطقةٍ محدودة الموارد.
وحدة الصفّ: رفض المحاصصة
يوضح الشرع اختياره لفريق عمل متجانس في المرحلة الانتقالية، مؤكداً على أهمية الكفاءة في التعيينات، ورفضه فكرة المحاصصة الطائفية أو الحزبية، التي يعتبرها مدمرة للدولة.
التعامل مع الماضي: المصالحة والعدالة
يُقرّ الشرع بوجود أوجاعٍ كثيرةٍ في المجتمع السوري نتيجة أحداث الماضي، لكنه يشدد على ضرورة تجنب عقليات الثأر والانتقام، مع إحالة مرتكبي المجازر والجرائم إلى العدالة. ويؤكد على أهمية العفو والتسامح في إدارة المرحلة الانتقالية، مع حزمٍ في مواجهة أي محاولاتٍ لإثارة النعرات الطائفية أو العرقية.
حلّ هيئة تحرير الشام والمعارضة السابقة: بناء دولة موحدة
يعلن الشرع عن حلّ هيئة تحرير الشام في مؤتمر الحوار الوطني، ويدعو المعارضة السابقة إلى المشاركة في بناء الدولة الجديدة. ويشدد على ضرورة حلّ الائتلاف الوطني السوري، وعدم الحاجة إلى مؤسساتٍ موازية للدولة.
القرار 2254 والعلاقة مع المجتمع الدولي: تعاونٌ جديد
يوضح الشرع أن جوهر القرار 2254، أي إعادة النازحين واللاجئين، قد تمّ تنفيذه، بينما يرى تطبيق بعض بنوده الأخرى غير ممكن في ظل الظروف الجديدة. ويشير إلى إمكانية التعاون مع الأمم المتحدة في المرحلة الجديدة، بطريقةٍ تتجاوز الطرق القديمة التي لم تؤتِ أكلها.
الحدّ من المخاوف بشأن تصدير الثورة: علاقات استراتيجية
يؤكد الشرع على عدم السماح لسوريا بأن تكون منطلقاً لجماعاتٍ إسلامية متطرفة، والتعاون مع الدول المجاورة لبناء علاقاتٍ استراتيجيةٍ قائمة على المصالح المتبادلة، والتنمية الاقتصادية. ويشدد على رفضه تصدير الثورة، مع التركيز على بناء الدولة.
العلاقات مع السعودية، إيران، روسيا، والولايات المتحدة: موازنة المصالح
يُثني الشرع على الدور الإيجابي للسعودية في دعم سوريا، والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية. ويشير إلى ضرورة إعادة النظر في العلاقات مع إيران، على أساس احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. أما بشأن روسيا، فيشدد الشرع على أهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مع التمسك باستقلال القرار السوري. وبخصوص الولايات المتحدة، يدعو إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا، اعتباراً لزوال النظام السابق. ويؤكد على أهمية إيجاد حلٍّ لمشكلة شمال شرق سوريا، مع حماية الأكراد وحقوقهم، وعدم السماح بأن تكون سوريا منصة لهجماتٍ على الدول المجاورة.
التظاهرات والحياة الشخصية: التوازن بين الحقوق والواجبات
يوضح الشرع أن التظاهر حقٌّ مكفول، مع ضرورة الالتزام بالقانون، وحماية المؤسسات العامة. وفيما يتعلق بحياته الشخصية، يشير إلى انشغاله الشديد، وعدم وجود الوقت الكافي للمشاركة في الفعاليات الترفيهية.






