سوريا بعد الثورة: هل يتحقق التمكين وتنتصر الحرية؟

فهرس المحتويات
مقدمة
“سوريا بعد الثورة تشهد منعطفاً تاريخياً فارقاً، ليس فقط في تاريخها الحديث، بل وفي تاريخ المنطقة العربية بأسرها. فبعد سنوات من الصراع والتحديات، تلوح بوادر تغيير، وإن كانت محدودة، تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول طبيعة هذا التغيير ومستقبل البلاد في ظل التحديات الداخلية والخارجية. هذه التساؤلات ليست ترفاً فكرياً، بل ضرورة ملحة لفهم ما يجري على الأرض، ولتحديد المسار الصحيح للسوريين في المرحلة القادمة. في هذا المقال، نستلهم رؤى وتحليلات الدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي في بودكاست “فُلك”، لنغوص في أعماق المشهد السوري، ونستشرف معالم الطريق نحو الحرية الحقيقية والنهضة المنشودة. لا نقدم سرداً للأحداث، بل نسعى إلى تقديم تحليل عميق ومتوازن، يأخذ في الاعتبار جميع العوامل المؤثرة، ويضع مصلحة الشعب السوري أولاً.
“إن الحدث السوري هو حدث استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو يتجاوز في أهميته وتأثيره كل أحداث الربيع العربي الأخرى. إنه حدث يفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة، ويضعنا أمام مسؤولية كبيرة في فهم أبعاده وتداعياته.” – الدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي
1. التمكين في سوريا: هل هو بداية النهاية أم نهاية البداية؟
1.1 التمكين الجزئي: حقيقة يجب إدراكها
يؤكد الدكتور عبد الرحمن ذاكر، وبكل وضوح، على أن التمكين الحالي في سوريا هو تمكين جزئي ومؤقت، ويحذر من المبالغة في الفرحة وتجاهل التحديات الجسيمة التي لا تزال قائمة. هذا التمكين، وإن كان يمثل خطوة إيجابية، إلا أنه لا يعني بأي حال من الأحوال نهاية المطاف، بل هو على الأرجح بداية مرحلة جديدة تتطلب وعياً وحذراً وحكمة في التعامل معها. إن القفز إلى الاستنتاجات المتفائلة دون أساس واقعي قد يؤدي إلى خيبة أمل وإحباط، وقد يعرقل مسيرة التغيير الحقيقي. يجب أن ندرك أن التحديات التي تواجه سوريا ليست مجرد تحديات سياسية أو اقتصادية، بل هي تحديات عميقة الجذور، تمتد إلى البنية الاجتماعية والثقافية والفكرية للمجتمع.
1.2 الواقعية السياسية: بين التفاؤل الحذر والنقد البناء
من الضروري التعامل مع السلطة الحاكمة في سوريا بواقعية، وتقدير أي خطوة تتخذها في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار، وفي الوقت نفسه، يجب عدم التردد في تقديم النصح والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة، من أجل تحقيق مزيد من الإصلاحات وتعزيز الحريات. إن الواقعية السياسية لا تعني الاستسلام للأمر الواقع، بل تعني التعامل معه بذكاء ومرونة، والسعي إلى تحقيق أقصى ما يمكن من المكاسب في ظل الظروف المتاحة. يجب أن يكون النقد بناءً وموضوعياً، وأن يهدف إلى الإصلاح والتطوير، لا إلى الهدم والتخريب. إن المرحلة القادمة تتطلب تضافر جهود جميع السوريين، بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، من أجل بناء مستقبل أفضل لبلادهم.
2. الحرية الحقيقية: جوهر التغيير المنشود
2.1 الحرية بمفهومها الشامل: أبعد من السياسة
الحرية الحقيقية التي ينشدها السوريون، والتي يتحدث عنها الدكتور ذاكر، تتجاوز مجرد التحرر السياسي، لتشمل التحرر من كل القيود التي تكبل الإنسان، سواء كانت قيوداً مادية أو معنوية، داخلية أو خارجية. إنها حرية شاملة تمتد من أبسط تفاصيل الحياة اليومية إلى أسمى معاني السيادة الوطنية. إنها حرية التفكير والتعبير والاعتقاد، وحرية المشاركة في صنع القرار، وحرية اختيار أسلوب الحياة. إنها حرية تضمن للإنسان كرامته وحقوقه الأساسية، وتمكنه من تحقيق ذاته وطموحاته.
2.2 العبودية لله: أساس الحرية الحقيقية
في المنظور الإسلامي، الحرية الحقيقية هي العبودية لله وحده، والتحرر من عبودية الأهواء والشهوات، ومن الخضوع لأي سلطة غير سلطة الخالق. هذه العبودية، هي التي تمنح الإنسان الكرامة الحقيقية، وتجعله سيداً على نفسه وعلى مصيره. إنها العبودية التي تحرر الإنسان من الخوف من غير الله، ومن التعلق بالدنيا وزخارفها، وتوجهه إلى السعي إلى مرضاة الله والعمل الصالح. إنها العبودية التي تجعل الإنسان أكثر قوة وإيجابية وفاعلية في الحياة.
“الحرية الحقيقية ليست انفلاتاً، وليست تقليداً أعمى للغرب، بل هي عبودية لله، وهي تحرر من كل ما سوى الله. إنها الحرية التي تجعل الإنسان سيداً على نفسه، وتمنحه القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، والسير في الطريق المستقيم.” – الدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي
3. معركة الوعي: التحدي الأكبر في سوريا
3.1 فساد النفوس: العدو الداخلي
يؤكد الدكتور ذاكر على أن أخطر أنواع الفساد هو فساد النفوس، الذي يهدد أي تقدم أو إصلاح، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً. هذا الفساد يتطلب جهوداً مضاعفة في التربية والإصلاح الداخلي، وفي محاربة “أصنام” النفس الأمارة بالسوء. إن فساد النفوس هو الذي يؤدي إلى الظلم والاستبداد والرشوة والمحسوبية، وهو الذي يقوض قيم المجتمع وأخلاقه. إن معركة الوعي هي معركة طويلة الأمد، تتطلب صبراً ومثابرة، وتتطلب تضافر جهود جميع فئات المجتمع، من الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام والمؤسسات الثقافية.
3.2 الإعلام والفن: سلاح ذو حدين
ينبه الدكتور ذاكر إلى خطورة التأثير السلبي لبعض الأعمال الفنية والإعلامية التي قد ترسخ قيماً سلبية وتعيق التغيير الحقيقي المنشود. لذا، يجب التعامل مع هذه الوسائل بحذر، والعمل على إنتاج محتوى إعلامي وفني يعزز القيم الإيجابية ويدعم مسيرة الإصلاح والتغيير. إن الإعلام والفن يمكن أن يكونا أداتين قويتين في بناء الوعي وتشكيل الرأي العام، ويمكن أن يسهما في تعزيز قيم الحرية والعدالة والمساواة، ولكن يمكن أن يكونا أيضاً أداتين للهدم والتخريب إذا ما استخدما بشكل سلبي.
3.3 التعليم وبناء الإنسان:
إن التعليم هو حجر الزاوية في بناء الوعي، وهو الأداة الأكثر فعالية في محاربة الفساد وتغيير النفوس. يجب أن يكون التعليم في سوريا تعليماً حراً ومستقلاً، يركز على تنمية التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب، ويعزز قيم المواطنة الصالحة والمسؤولية الاجتماعية. يجب أن يكون التعليم شاملاً ومتكاملاً، يهتم بجميع جوانب شخصية الإنسان، العقلية والروحية والجسدية.
4. الهوية والاستقلالية: ثوابت لا تقبل المساومة
4.1 الحذر من التدخلات الخارجية: دروس التاريخ
يجب على السوريين التعامل بحذر شديد مع الغرب ومنظماته، وتجنب السماح لهم بالتدخل في الشؤون الداخلية أو فرض أجنداتهم الخاصة. فالتاريخ يشهد بأن التدخلات الخارجية غالباً ما تكون لها أهداف خفية، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل. إن تجارب العديد من الدول العربية والإسلامية التي تعرضت للتدخل الأجنبي تثبت أن هذه التدخلات غالباً ما تزيد من تعقيد الأوضاع، وتؤدي إلى مزيد من الصراعات والنزاعات.
4.2 الوحدة الوطنية مع الحفاظ على الهوية: المعادلة الصعبة
من الضروري العمل على توحيد الصف الوطني السوري، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية، وعدم التنازل عن المبادئ والثوابت التي تميز الشعب السوري. فالتنوع والاختلاف لا يعنيان التنافر والتشرذم، بل يمكن أن يكونا مصدر قوة وإثراء للمجتمع. إن الوحدة الوطنية تتطلب التسامح والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع، وتتطلب أيضاً التمسك بالهوية المشتركة التي تجمعهم. إن الحفاظ على الهوية لا يعني الانغلاق على الذات، بل يعني الانفتاح على الآخر مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية والحضارية.
4.3 بناء الدولة المدنية الحديثة:
إن بناء الدولة المدنية الحديثة في سوريا هو الضمانة الحقيقية لتحقيق الاستقرار والازدهار، وهو الذي يحمي حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو السياسية. الدولة المدنية هي الدولة التي تحكمها القوانين والمؤسسات، لا الأهواء والمصالح الشخصية. هي الدولة التي تضمن حرية التعبير والاعتقاد والمشاركة السياسية، وتحترم حقوق الإنسان وتكفل الحريات الأساسية.
5. نحو مستقبل مشرق: مسؤولية جماعية
5.1 دور غير السوريين: الدعم لا الوصاية
يمكن لغير السوريين أن يلعبوا دوراً إيجابياً في دعم سوريا، من خلال تقديم الدعم العملي والمساعدات الإنسانية، والمساهمة في إعادة الإعمار، ولكن يجب أن يكون هذا الدعم خالياً من أي تدخل سلبي أو محاولة لفرض الوصاية. إن الشعب السوري هو صاحب الحق الأول والأخير في تقرير مصيره، ولا يحق لأي جهة خارجية أن تفرض عليه إرادتها أو تملي عليه خياراته.
5.2 الصبر والشكر: مفتاحا الفرج
ينصح الدكتور ذاكر السوريين بالتحلي بالصبر والشكر في هذه المرحلة الدقيقة، فالصبر على البلاء والشكر على النعماء هما مفتاحا الفرج والخروج من الأزمة. كما يجب عليهم أن يستثمروا هذه الفرصة التاريخية بحكمة ووعي، وأن يعملوا بجد وإخلاص من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة. إن الصبر والشكر ليسا مجرد فضيلتين أخلاقيتين، بل هما أيضاً صفتان ضروريتان لتحقيق النجاح في أي مشروع، ولتجاوز أي صعوبات أو تحديات.
5.3 دور الشباب في بناء المستقبل:
إن الشباب هم عماد المستقبل، وهم الأمل في بناء سوريا جديدة حرة ومزدهرة. يجب إشراك الشباب في جميع مراحل عملية التغيير، وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في صنع القرار. يجب الاستثمار في تعليم الشباب وتدريبهم، وتوفير فرص العمل لهم، وتشجيعهم على الإبداع والابتكار.
(الخاتمة)
إن الحدث السوري يمثل فرصة تاريخية حقيقية لتحقيق التغيير المنشود، وبناء سوريا جديدة حرة كريمة، تنعم بالاستقرار والازدهار. ولكن هذا التغيير لن يتحقق إلا بجهود السوريين أنفسهم، وبتعاونهم وتكاتفهم، وبالتزامهم بالقيم والمبادئ التي تضمن لهم الحرية الحقيقية والكرامة الإنسانية. إن الطريق أمام السوريين طويل وشاق، ولكنه ليس مستحيلاً، فبالإيمان بالله، وبالإرادة الصلبة، وبالعمل الجاد، يمكن تحقيق المستحيل. ومستقبل سوريا، بإذن الله، سيكون مشرقاً وزاهراً، وسيكون نموذجاً يحتذى به في المنطقة العربية والعالم. إن سوريا تستحق أن تكون في طليعة الدول المتقدمة، وأن تستعيد دورها الحضاري الرائد في المنطقة والعالم.