قصة أحمد الدالاتي في الثورة السورية

مقدمة:

في قلب الأحداث العاصفة التي شهدتها سوريا خلال الثورة السورية، برزت قصصٌ لأفرادٍ تحولوا من مسارات حياة اعتيادية إلى قادة مؤثرين في مسار الثورة. من بين هؤلاء، يطل علينا أحمد الدالاتي، نائب القائد العام في حركة أحرار الشام والقيادي البارز في إدارة العمليات العسكرية، ليشاركنا شهادته الحية وتفاصيل حصرية عن معركة “ردع العدوان” الحاسمة، تلك العملية العسكرية التي امتدت من حلب الشهباء وصولًا إلى دمشق العاصمة.

في هذا المقال، نغوص في أعماق حوارٍ شيق مع الدالاتي، لنستكشف المراحل المبكرة من الثورة السورية المسلحة، والدوافع التي قادت شبابًا يافعًا لحمل السلاح دفاعًا عن مطالب شعبهم المشروعة. نكشف النقاب عن الدور المحوري الذي لعبه الدعم اللوجستي للثورة السورية في صمود الثوار وتقدمهم، ونتتبع الخطوات الاستراتيجية والتكتيكية التي ميزت عملية ردع العدوان في سوريا، وصولًا إلى اللحظة التاريخية التي أُعلن فيها عن تحرير دمشق.

هذا المقال ليس مجرد سرد لأحداثٍ مضت، بل هو تحليل معمق لتجربة فريدة، يقدم دروسًا وعبرًا مستقاة من قلب المعركة، ويسلط الضوء على التحولات العميقة التي طرأت على المجتمع السوري، وعلى آفاق المستقبل بعد سنواتٍ من الصراع، و مستقبل سوريا ما بعد الأسد.

1. أسباب الثورة المسلحة في سوريا: دوافع حمل السلاح في وجه النظام الأسدي

1.1. ريف دمشق: شرارة الانطلاق الأولى للثورة

يستهل الدالاتي حديثه بالعودة إلى جذوره في ريف دمشق، وتحديدًا منطقة وادي بردى، مسقط رأسه، كنقطة انطلاق أولى لـ الثورة السورية. يشير إلى أن المنطقة، بطبيعتها الحدودية مع لبنان، كانت مهيأة للتأثر بالتحركات الإقليمية والتحولات السياسية. مع انطلاق شرارة الثورة في درعا وامتدادها إلى دمشق، بدأت تلوح في الأفق ملامح المواجهة الحتمية مع نظام الأسد.

1.2. عنف النظام الأسدي: الدافع الرئيسي للتسلح في الثورة السورية

يؤكد الدالاتي أن اللجوء إلى الخيار المسلح لم يكن خيارًا مبكرًا أو متسرعًا، بل كان ردة فعل طبيعية على العنف المفرط الذي واجه به النظام الأسدي المظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح والتغيير خلال الثورة السورية. يوضح أن قراءة عقلية النظام القمعية والاستبدادية كانت واضحة للكثيرين، وأن التجربة التاريخية للنظام في قمع المعارضات، كما حدث في مجزرة حماة وغيرها، لم تترك مجالًا كبيرًا للتفاؤل بإمكانية التغيير السلمي.

1.3. التردد الشرعي والموقف الفطري من حمل السلاح في الثورة

في بداية الثورة السورية، يذكر الدالاتي التردد الذي شاب الموقف الشرعي من حمل السلاح. يصف كيف توجهوا بالسؤال إلى العديد من المشايخ في دمشق وريفها، بحثًا عن فتوى أو موقف واضح، لكنهم لم يجدوا إجابة شافية. في ظل هذا التردد، يوضح الدالاتي أنهم استجابوا “لفطرتهم” كشباب نشأوا على قيم التغيير والإصلاح، وإدراكهم العميق بأن النظام القائم لن يسمح بتحقيق هذه الغايات سلميًا، مما دفعهم لحمل السلاح في الثورة السورية المسلحة.

2. شبكة الدعم اللوجستي للثورة السورية: نقطة تحول في مسار الثورة المسلحة

2.1. التهريب كضرورة لتأمين السلاح للثوار في وجه الاستغلال

نظرًا لطبيعة المنطقة الحدودية التي ينحدر منها الدالاتي، كان التهريب نشاطًا اقتصاديًا شائعًا بين الشباب. يستذكر كيف استغل بعض المهربين حاجة الثوار للسلاح، ورفعوا الأسعار بشكل مبالغ فيه، مستغلين قلة الخبرة لدى الكثيرين في هذا المجال. هذا الواقع دفع الدالاتي للدخول إلى “خط التهريب” بهدف تأمين السلاح النوعي والموثوق للثوار بأسعار عادلة، معتبرًا ذلك واجبًا في تلك المرحلة الحرجة من الثورة السورية.

2.2. شبكة دعم لوجستي متكاملة: سلاح وذخيرة وأكثر للجيش السوري الحر

لم يقتصر دور الدالاتي على تأمين السلاح فحسب، بل سرعان ما تطور إلى بناء شبكة دعم لوجستي متكاملة للثورة السورية و الجيش السوري الحر. شملت هذه الشبكة توفير الذخائر، وتأمين دخول وخروج الأفراد عبر الحدود بطرق آمنة، وتوفير الدعم والإسناد للفصائل الناشئة في دمشق والغوطة. هذه الشبكة لعبت دورًا حاسمًا في سد حاجة الثوار المتزايدة من الإمدادات، وساهمت في تعزيز قدرتهم على الصمود والمواجهة في الصراع السوري.

2.3. علاقات استراتيجية: زهران علوش والفصائل الأخرى في الثورة السورية

يشير الدالاتي إلى أن عمله في مجال الدعم اللوجستي للثورة السورية أتاح له بناء علاقات واسعة مع مختلف الفصائل الثورية الناشئة، بما في ذلك علاقته المبكرة بالشيخ زهران علوش، مؤسس جيش الإسلام. هذه العلاقات شكلت رصيدًا استراتيجيًا هامًا، ساهم في تنسيق الجهود وتوحيد الطاقات في المراحل اللاحقة من الثورة السورية.

3. عملية ردع العدوان في سوريا: التخطيط والتنفيذ الذي أذهل نظام الأسد وحلفائه

3.1. من المحلية إلى المركزية: تحدي توحيد القرار في الثورة السورية

يصف الدالاتي عملية ردع العدوان بأنها تتويج لمسار طويل من التحديات والجهود في الثورة السورية، أبرزها تحدي الوصول إلى قرار مركزي موحد للثورة. يوضح أن الثورة بدأت عفوية وغير منظمة، ثم تطورت إلى مجموعات وفصائل ذات توجهات متباينة، ما أدى إلى صعوبة في التنسيق وتوحيد الرؤى.

3.2. إدلب: من محنة التهجير إلى أرضية الانطلاق لعملية ردع العدوان

يرى الدالاتي أن الحملة العسكرية الشرسة التي شنها نظام الأسد وحلفاؤه في عام 2019، والتي أدت إلى تهجير أعداد كبيرة من السكان وتمركز الفصائل في إدلب، شكلت في جانب منها “محنة كبيرة”، لكنها في الوقت نفسه “أسست للأرضية” التي سمحت للثوار بالنضوج والتعبير عن أنفسهم كـ”دولة” والانطلاق لـ عملية ردع العدوان.

3.3. غرفة عمليات “الفتح المبين”: النواة الصلبة لتحرير سوريا

في هذا السياق، تأسست غرفة عمليات “الفتح المبين”، التي يصفها الدالاتي بأنها “نقلة نوعية كبيرة جدًا بالمفهوم العسكري” في الثورة السورية. كانت الغرفة بمثابة نواة لتوحيد القرار العسكري، وخطوة هامة نحو بناء مؤسسة عسكرية قادرة على إدارة المعارك بشكل مركزي ومنظم ضمن عملية ردع العدوان.

3.4. التخطيط الاستراتيجي لعملية ردع العدوان: استثمار نقاط ضعف نظام الأسد

يوضح الدالاتي أن التخطيط لـ عملية ردع العدوان استند إلى فهم عميق لنقاط ضعف نظام الأسد المتراكمة. يشير إلى تدهور وضع النظام وحلفائه، وتفكك بنيته الأمنية والعسكرية، وتفشي الفساد، وتراجع الروح المعنوية لدى جنوده. هذه العوامل مجتمعة جعلت النظام “قابلاً للانهيار” في حال توجيه ضربة قاصمة ومفاجئة ضمن الصراع السوري.

4. “الشاهين” سلاح الثورة السورية: كيف غيرت الطائرات المسيرة موازين المعركة؟

4.1. التصنيع المحلي للطائرات المسيرة: ضرورة فرضها الحصار على الثورة السورية

في ظل الحصار السياسي والعسكري والمادي الذي فرض على مناطق الثوار خلال الثورة السورية، اتجهت الأنظار نحو التصنيع المحلي كحل استراتيجي لسد الاحتياجات العسكرية. يبرز الدالاتي دور “الشاهين” كـ”تاج التصنيع”، وكمثال على القدرة السورية على الابتكار والتكيف في ظروف الحرب و الصراع السوري.

4.2. خبرات سورية: عقول الثورة تصنع الفارق في تطوير سلاح الشاهين

يؤكد أن برنامج تصنيع الطائرات المسيرة “الشاهين” اعتمد بشكل أساسي على خبرات وكفاءات سورية، من مهندسين في مختلف المجالات، بعضهم من خريجي الجامعات السورية، وبعضهم من العائدين من الخارج. هؤلاء الشباب، بجهودهم وإبداعهم، استطاعوا تطوير نماذج متقدمة من الطائرات المسيرة، ذات مهام استطلاعية وهجومية متنوعة، لتصبح سلاح الثورة السورية الفعال.

4.3. تأثير حاسم لطائرات الشاهين: رعب في صفوف النظام وانتصار معنوي في معركة سوريا

يصف الدالاتي تأثير طائرات “الشاهين” بأنه كان “حاسمًا معنويًا وميدانيًا” في معركة سوريا. معنويًا، لأنها أثارت الرعب في صفوف قوات نظام الأسد، وحققت إصابات دقيقة، وأصبحت رمزًا لقوة الثوار المتنامية. وميدانيًا، لأنها ساهمت في شل حركة النظام، واستهداف مراكز قيادته واتصالاته، وفتح الطريق أمام تقدم القوات المقتحمة خلال عملية ردع العدوان.

5. انهيار النظام وتحرير المدن السورية: حلب، حماة، حمص، ودمشق في عملية ردع العدوان

5.1. تحرير حلب: الانهيار المفاجئ لنظام الأسد والسيطرة السريعة للثوار

يشرح الدالاتي كيف تمكنت قوات الثوار من دخول حلب والسيطرة عليها في أقل من 36 ساعة خلال عملية ردع العدوان، وهي سرعة فاقت التوقعات. يرجع هذا الانهيار السريع إلى عدة عوامل، أبرزها الضربة الاستباقية التي وجهتها “العصائب الحمراء” لغرفة عمليات الفرقة 30 حرس جمهوري، ما أدى إلى فقدان نظام الأسد لمنظومة القيادة والسيطرة في الجبهة الشمالية.

5.2. تكتيكات مبتكرة في عملية ردع العدوان: مفاجأة وتضليل وشلل لنظام الأسد

يؤكد أن عملية تحرير حلب لم تعتمد على التكتيكات الكلاسيكية، بل على “تكتيكات إبداعية” تهدف إلى إحداث “انهيار النظام” من خلال “ضربات قاسية” ومفاجئة. شملت هذه التكتيكات التضليل الاستراتيجي، وحشد القوات في سرية تامة، واستهداف مراكز العمليات والاتصالات، واستخدام الطائرات المسيرة “الشاهين” لشل حركة نظام الأسد.

5.3. استقبال شعبي لتحرير حلب: فاتحين لا غزاة في المدن السورية المحررة

يصف الدالاتي مشاهد الاستقبال الحافل الذي حظي به الثوار عند دخولهم حلب، وكيف استقبلهم الأهالي بالترحاب والفرح. يؤكد أن هذا الاستقبال كان نتيجة لجهود حثيثة بذلتها القيادة لتبديد صورة “العصابات” التي روجها نظام الأسد عن الثوار، وإظهارهم كمحررين يسعون لإنهاء الظلم والاستبداد في سوريا.

5.4. تحرير حماة وحمص ودمشق: تسارع وتيرة التحرير في عملية ردع العدوان

بعد تحرير حلب، تسارعت وتيرة التحرير لتشمل حماة وحمص و دمشق خلال عملية ردع العدوان. يشير الدالاتي إلى أن نظام الأسد حاول التموضع في حماة كخط دفاع أخير، لكن طبيعة حماة الجغرافية وتوزع السكنات العسكرية فيها، إضافة إلى التكتيكات المبتكرة التي استخدمها الثوار، ساهمت في تجاوز هذا الخط الدفاعي والتقدم نحو دمشق. يختتم الدالاتي بالحديث عن دخول دمشق، اللحظة التي يعتبرها تتويجًا لمسيرة الثورة السورية الطويلة، وتحقيقًا لهدفها الأسمى بـ تحرير سوريا.

6. سوريا ما بعد التحرير: رؤية للمستقبل و بناء الجيش السوري الجديد

6.1. الجيش السوري الجديد: احتراف وتطوع وولاء للوطن في مستقبل سوريا

ينتقل الدالاتي للحديث عن رؤية مستقبل سوريا ما بعد التحرير، وأبرز ملامح الجيش السوري الجديد. يؤكد أن الجيش الجديد سيكون جيشًا “احترافيًا” يعتمد على “التطوع” لا “التجنيد الإجباري“، ويكون ولاؤه “لسوريا ولكل السوريين“، لا للسلطة الحاكمة في سوريا ما بعد الأسد. يوضح أن الجيش سيستفيد من خبرات ضباط الجيش السابق المنشقين، ومن خبرات الفصائل الثورية، وسيعمل على بناء قدرات متطورة في مختلف المجالات العسكرية، بما في ذلك القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، ليكون الجيش السوري الجديد قوة ضاربة تحمي سوريا.

6.2. إعادة الهيكلة والاندماج: تحديات المؤسسة العسكرية في سوريا الجديدة

يشير إلى أن عملية إعادة هيكلة الجيش السوري الجديد وبنائه تواجه تحديات كبيرة، أبرزها دمج الفصائل المختلفة في إطار مؤسسة عسكرية موحدة، وفصل السلطات وتحديد الاختصاصات، وتجاوز الخلافات والانقسامات التي نشأت خلال سنوات الصراع السوري. يؤكد أن العمل يجري على قدم وساق لتجاوز هذه التحديات، وبناء مؤسسة عسكرية قوية وفاعلة، قادرة على حماية سوريا والدفاع عن مصالح شعبها في مستقبل سوريا.

6.3. النشيد الوطني السوري الجديد: هوية سوريا المتجددة بعد الثورة

يختتم الدالاتي حديثه بالإشارة إلى ضرورة تغيير النشيد الوطني السوري الحالي، واستبداله بنشيد جديد يعبر عن “قيمنا ومبادئنا وعن هوية سوريا” المتجددة بعد الثورة السورية. يدعو الشعراء السوريين للمشاركة في مسابقة لاختيار النشيد الوطني الجديد، الذي يعكس تطلعات الشعب السوري نحو مستقبل سوريا أفضل.

7. دروس مستفادة وإشراقة أمل: سوريا تتجه نحو مستقبل واعد بعد عملية ردع العدوان

7.1. دروس الثورة السورية: نضوج القيادة وتغيير المجتمع في الصراع السوري

في ختام الحوار، يلخص الدالاتي أبرز الدروس المستفادة من الثورة السورية. يؤكد أن الثورة كانت “تجربة عملية لفهم أنفسنا ولمجتمعنا ولممارسة عملية التغيير”، وأنها ساهمت في “نضوج سياسي وفكري واجتماعي” للقيادات التي تصدرت المشهد في الصراع السوري. يشير إلى أن الثورة كشفت عن “السياسة الممنهجة بتمزيق المجتمع” التي مارسها نظام الأسد لعقود، وإلى التحدي الكبير الذي واجهته الثورة في بناء “بنية مركزية” قادرة على اتخاذ القرار السياسي في سوريا.

7.2. إشراقة أمل لمستقبل سوريا: سوريا تتجاوز المحنة نحو البناء بعد التحرير

رغم كل التحديات والصعوبات في الصراع السوري، يختتم الدالاتي حديثه بتفاؤل كبير بـ مستقبل سوريا. يرى أن “حجم الإنجاز” الذي تحقق في عملية ردع العدوان “لا يقارن أبدًا مع حجم الإعداد”، وأن هذا الإنجاز يعكس “إيماننا بمستقبل أفضل لسوريا“. يؤكد أن سوريااليوم لكل السوريين“، وأنها تمتلك “طاقات ضخمة” وكوادر مؤهلة وموارد غنية، وأن السوريين قادرون على “بناء بلدهم بشكل أفضل وأجمل“، وإعادة سوريا إلى “مكانتها الطبيعية بمقدمة الأمم“. يختتم الدالاتي بالقول إن “الحقبة المظلمة من تاريخ سوريا” قد انتهت، وأن سوريا تتجه نحو “معركة البناء“، وهي معركة تتطلب “عقلية حكم دولة” و”مشاركة الجميع” و”قبول آراء الجميع“، لبناء سوريا الجديدة، سوريا الحرة والمزدهرة في مستقبل سوريا ما بعد الأسد.

خاتمة:

في نهاية هذا الحوار المفعم بالتفاصيل والأبعاد حول الثورة السورية و عملية ردع العدوان، ندرك حجم التضحيات والجهود التي بذلت في سبيل تحقيق حلم سوريا الحرة. قصة أحمد الدالاتي هي قصة جيل كامل من السوريين، الذين لم يستسلموا لليأس، وآمنوا بحقهم في الحياة الكريمة والحرية والعدالة في سوريا. عملية ردع العدوان في سوريا كانت لحظة فارقة في تاريخ سوريا الحديث، صفحة جديدة تُطوى بها حقبة الاستبداد والظلم تحت حكم نظام الأسد، وتُفتح صفحة الأمل والبناء والازدهار في مستقبل سوريا. التحديات ما زالت كبيرة في سوريا ما بعد التحرير، لكن العزيمة والإصرار والثقة بالنفس التي تجلت في ثنايا هذا الحوار، تبعث فينا الأمل بأن سوريا قادمة، سوريا أفضل وأجمل، بسواعد أبنائها وبناتها.

شاهد الحلقة كاملة ولا تنس التعليق والمشاركة

Exit mobile version