Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
عالم الكتاب

كتاب “أمير الظل” لعبد الله البرغوثي.

مقدمة:

في قلب الظلام يولد النور، ومن رحم المعاناة تنبثق الحكمة. هذا ما يجسده كتاب “أمير الظل: مهندس على الطريق” للمهندس والأسير الفلسطيني عبد الله البرغوثي. في هذا الكتاب المسموع، الذي يرويه بصوته الدافئ محمد رحمه، ننغمس في سيرة ذاتية ملهمة، ليست مجرد قصة شخصية، بل هي رحلة في أعماق النفس الإنسانية، وقصة مقاومة لا تنتهي، وقصيدة وفاء لفلسطين الجريحة. هذا المقال ليس مجرد تلخيص لكتاب، بل هو محاولة لفك شفرة روحٍ استثنائية، روح المهندس الذي تحول إلى “أمير الظل”، الذي لم تستطع جدران السجن أن تحجب نوره، بل زادته توهجًا وإلهامًا. دعونا ننطلق في هذه الرحلة الفكرية والعاطفية، لنستلهم من تجربة البرغوثي دروسًا في الصمود، والإرادة، والمعنى الحقيقي للحرية.

1. الطفولة والتكوين: من الكويت إلى فلسطين

1.1. نشأة في حضن الكويت:

تبدأ قصة عبد الله البرغوثي في الكويت، حيث ولد وترعرع. يستحضر ذكريات الطفولة بكلمات دافئة، يتردد صداها نشيد الكويت الوطني في أذنيه، لكن جذوره الفلسطينية لم تكن لتغيب. هناك في الكويت، وسط دفء الأسرة والأصدقاء، تفتحت عيناه على قضية فلسطين، مع انتفاضة الحجارة واستشهاد أقاربه. هذه اللحظات المفصلية زرعت في قلبه بذور الوعي الوطني، وحولت مسار طفولته الهادئة إلى طريق وعر من التحديات والمسؤوليات.

1.2. التحول إلى الهوية الفلسطينية:

لم يعد الطفل الكويتي الهوى، بل أصبح الفلسطيني الذي يردد “فلسطين الشهداء، فلسطين الأثيرة”. هذه الهوية الجديدة لم تكن مجرد انتماء جغرافي، بل كانت استجابة لنداء الدم والوطن، وتعبيرًا عن رفض الظلم والاحتلال. هذا التحول الجذري في الهوية كان نقطة تحول محورية في حياة البرغوثي، ودافعًا قويًا نحو درب المقاومة.

2. رحلة الاغتراب: كوريا الجنوبية كمحطة تحول

2.1. من الفقر إلى الثراء:

في مرحلة مفصلية، ينتقل البرغوثي إلى الأردن، ثم يهاجر إلى كوريا الجنوبية بحثًا عن فرصة أفضل. هنا تتجلى شخصيته الاستثنائية، فمن شاب فقير معدم، يتحول إلى رجل أعمال ناجح، يجيد جمع المال، لكنه لا ينسى هدفه الأسمى. كوريا الجنوبية لم تكن مجرد محطة للعمل وكسب الرزق، بل كانت مدرسة الحياة، صقلت شخصيته، وعززت قدراته، ومنحته خبرات متنوعة، ستكون لها بالغ الأثر في مسيرته اللاحقة.

2.2. تطوير الذات والمهارات:

لم يكتفِ البرغوثي بالعمل والتجارة، بل انكب على تطوير ذاته، تعلم اللغات، درس الهندسة، وأتقن فنون القتال. هذه المرحلة شهدت بناء “العقلين” اللذين تحدثت عنهما ابنته تلى، عقل يتقن كسب المال، وعقل آخر يتوق إلى تحدي القانون. لكن الأهم، هو العقل الثالث الذي ظل وفيًا لفلسطين، العقل الذي وجه كل هذه القدرات والمهارات نحو هدف واحد: المقاومة.

2.3. القرصنة كأداة للمقاومة:

في كوريا، يدخل البرغوثي عالم القرصنة الإلكترونية، ليس بدافع إجرامي، بل بدافع الحاجة والفضول، ثم تتحول القرصنة إلى أداة لخدمة قضيته. يتعلم صناعة المتفجرات والعبوات الناسفة من خلال الإنترنت، ويحول الغابات الكورية إلى مختبر لتجاربه. هنا يظهر الوجه الآخر لعبد الله البرغوثي، المهندس المبدع، الذي يوظف علمه ومهاراته في خدمة المقاومة، ليصبح “أمير الظل”.

3. العودة إلى الوطن: المقاومة كثمن للحرية

3.1. العودة مكبلًا إلى الأردن:

تنتهي رحلة الاغتراب في كوريا بالاعتقال والترحيل إلى الأردن، مكبل اليدين والقدمين. لكن هذه العودة القسرية لم تكن نهاية المطاف، بل كانت بداية مرحلة جديدة، أكثر عمقًا وتأثيرًا. يعود البرغوثي إلى عمان، لكنه لم يعد كما كان، لقد تغيرت نظرته للحياة، وتعمقت قناعته بضرورة المقاومة.

3.2. الزواج والطلاق: بحث عن الاستقرار المفقود:

في عمان، يتزوج البرغوثي من فتاة كورية، لكن الزواج لا يحقق له الاستقرار العاطفي الذي يبحث عنه. ينتهي الزواج بالطلاق، ويجد البرغوثي نفسه وحيدًا، تائهًا، يبحث عن معنى جديد لحياته. هذه المرحلة تعكس صراعًا داخليًا عميقًا، بين رغبة في الاستقرار والحياة الطبيعية، وبين نداء الوطن والمقاومة الذي لا يهدأ.

3.3. عودة إلى فلسطين: نداء الأم والوطن:

في لحظة فاصلة، تتدخل الأم، لتعيد الابن التائه إلى جادة الصواب. تنتفض الأم الهادئة، وتجبر الابن على الامتناع عن السفر، والزواج بفتاة فلسطينية من العائلة. هذا التدخل الأمومي يعكس قوة الروابط الأسرية في المجتمع العربي، ودور الأم في توجيه مسار حياة أبنائها. يستجيب البرغوثي لنداء أمه، ويعود إلى فلسطين، ليجد نفسه أمام واقع مرير، سلطة فاسدة، واحتلال جاثم.

3.4. “كازينو أريحا”: صدمة الواقع المرير:

زيارته الأولى لفلسطين بعد غياب طويل، تكون صادمة. “كازينو أريحا” يمثل له رمزًا للفساد والانحطاط، وصورة قاتمة للواقع الفلسطيني تحت سلطة أوسلو. هذه الصدمة تزيد من عزمه على المقاومة، وتؤكد له أن الطريق الذي اختاره هو الطريق الصحيح.

خاتمة:

رحلة عبد الله البرغوثي في “أمير الظل” ليست مجرد سيرة ذاتية، بل هي شهادة حية على قوة الإرادة الإنسانية، وقدرة الإنسان على التكيف والصمود في وجه أصعب الظروف. قصته تعلمنا أن الظلام الدامس يمكن أن يكون بداية لنور ساطع، وأن المعاناة يمكن أن تولد قوة وإبداعًا. البرغوثي لم يكن مجرد مهندس، ولا مجرد “أمير ظل”، بل كان إنسانًا استثنائيًا، استطاع أن يحول حياته إلى رسالة، ورسالة مفادها أن الحرية لا تقدر بثمن، وأن المقاومة هي الطريق الوحيد لاستعادة الكرامة والوطن. كتاب “أمير الظل” هو دعوة لنا جميعًا، لنستلهم من هذه التجربة دروسًا في الصمود، والإيمان بالقضية، والعمل الدؤوب من أجل تحقيق العدالة والحرية. فلنقرأ هذا الكتاب المسموع، ولنتأمل في معانيه، ولنجعل من قصة البرغوثي نبراسًا يضيء لنا دروبنا في مواجهة تحديات الحياة.

شاهد الحلقة كاملة ولا تنس التعليق والمشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى