Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
عالم السياسة

هل انتصرت غزة؟

مقدمة:

في اليوم الأول لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، كانت الأنظار متجهة نحو غزة. يوم تاريخي تجلى فيه صمود أسطوري لشعب عانى ويلات الحرب والقصف المستمر. في هذا البودكاست، نستضيف الدكتور عريب الرنتاوي، الخبير في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي، ليقدم لنا تحليلاً معمقاً لهذا المشهد، ويجيب على السؤال الجوهري: هل حققت غزة نصراً في هذه المعركة غير المتناظرة؟ وهل يمكن الحديث عن نصر وهزيمة بمعايير مختلفة في صراعات المقاومة والتحرير؟

1-مشهد النصر في غزة: يوم تاريخي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

    يصف الدكتور عريب الرنتاوي اليوم الأول لوقف إطلاق النار بأنه “يوم من أيام فلسطين الخالدة”. يوم تجسدت فيه معاني الصمود والعزة والكرامة.

    1.1. استقبال الأبطال: عزة وكرامة المقاومة

    كان المشهد مهيباً ومؤثراً، حيث خرج مقاتلو القسام من الأنفاق، بعد مئات الأيام تحت القصف والركام، بكامل عتادهم وتنظيمهم. لم تظهر عليهم آثار الحصار الطويل أو المعاناة، بل بدوا في أبهى صورة، في مشهد أعاد للأذهان صور التبادل المشرف في نوفمبر الماضي. هذا التنظيم والدقة، والانضباط، يعكس قوة المقاومة وتماسكها، ويفند ادعاءات الاحتلال بتدمير بنيتها القيادية والسيطرة.

    1.2. تفاعل عفوي وعزيمة لا تلين

    تفاعل أهالي غزة مع المقاومين كان عفوياً ومذهلاً. خرج الناس لاستقبالهم في ساحة السرايا، رغم الألم والمعاناة التي خلفها العدوان. منهم من فقد الأبناء والأحباء، ومنهم من عانى النزوح المتكرر ونقص الإمدادات، ومعظمهم بلا مأوى. لكن العزيمة والإصرار على المضي قدماً كانا طاغيين. هذا المشهد يؤكد على العلاقة الوثيقة بين المقاومة وبيئتها الحاضنة، ويفشل رهان الاحتلال على إحداث شرخ بينهما.

    1.3. ردود الفعل الإسرائيلية: ماتم مقابل فرح

    على الجانب الآخر، كان المشهد في إسرائيل مختلفاً تماماً. تحول يوم الفرح الفلسطيني إلى يوم “مأتم” في إسرائيل، بحسب وصف الدكتور الرنتاوي. بينما عمت الأفراح غزة ومخيمات اللاجئين والمدن العربية المتعاطفة، خيم الحزن والإحباط على المجتمع الإسرائيلي. حتى أن القنوات الإسرائيلية نقلت بث قناة الجزيرة مباشرة لنقل صورة الفرح الفلسطيني، في اعتراف ضمني بقوة المشهد وتأثيره.

    1.4. اختفاء نتنياهو: طاووس منتوف الريش

    اختفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الأنظار، بعد أن اعتاد الظهور المتكرر للاحتفاء بـ “انتصاراته”. آثر هذه المرة التحدث من غرفة مغلقة، وتجنب مواجهة الصحفيين. تجاهل الحديث عن أهداف الحرب المعلنة، وتطرق لمواضيع جانبية، في دلالة واضحة على عدم وجود إنجاز حقيقي يمكن التباهي به.

    2-هل هزمت إسرائيل في تحقيق أهدافها؟

    يذكر الدكتور الرنتاوي بتصريحات سابقة له في بداية “طوفان الأقصى”، حيث أكد استحالة القضاء على حركة حماس. اليوم، وبعد كل هذا الدمار والقتل، يرى العالم حماس أكثر قوة وتماسكاً.

    2.1. فشل رهان الاستئصال

    في بداية الحرب، راهن الكثيرون على قدرة إسرائيل على استئصال حماس خلال أسابيع قليلة. لكن الدكتور الرنتاوي أكد أن حماس ليست مجرد تنظيم عابر، بل هي حركة متجذرة في المجتمع، وفكرة عميقة لا يمكن اقتلاعها بسهولة.

    2.2. المقاومة تتجدد تحت النيران

    لم يتوقع أحد أن تستمر الحرب لهذه المدة الطويلة، وأن تظهر المقاومة بهذه الصلابة والنفس الطويل. بل فاجأت الجميع بقدرتها على التجدد، وتجنيد مقاتلين جدد يفوق عددهم الشهداء الذين سقطوا، ومواصلة تصنيع الأسلحة تحت القصف، وبناء شبكة أنفاق أدهشت العالم. هذا الصمود والقدرة على التكيف يمثل “معجزة وأسطورة” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

    2.3. فشل في تحقيق أهداف الحرب

    منذ اليوم الأول للحرب، كانت الأهداف الإسرائيلية واضحة: تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، استئصال المقاومة، احتلال غزة، وتوسيع الاستيطان. لكن هذه الأهداف جميعاً فشلت بفضل صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة. الاتفاق الذي تم توقيعه يمثل اعترافاً إسرائيلياً ضمنياً بهذا الفشل.

    3-صمود المقاومة: مفاجأة الحرب

      يشير الدكتور الرنتاوي إلى أن المقاومة في غزة كشفت عن قدرات مذهلة فاقت التوقعات.

      3.1. جاهزية فائقة وسيطرة محكمة

      الجاهزية العالية للمقاومة بعد وقف إطلاق النار مباشرة، والسيطرة المحكمة على الأوضاع، تدل على قوة القيادة والتحكم، وتفند الرواية الإسرائيلية بتدمير منظومة القيادة والسيطرة لحماس. ما رأيناه بالأمس لم يكن “فلولاً سائبة”، بل كان عملاً منظماً ومدروساً يعكس قوة وتماسك المقاومة.

      3.2. تبديد المخاوف من الشرخ المجتمعي

      كان هناك قلق من إمكانية حدوث شرخ بين المقاومة وبيئتها الحاضنة، نتيجة للمذابح والتطهير الذي تعرض له الشعب الفلسطيني في غزة. لكن مشهد الأمس بدد هذه المخاوف، وأكد على التفاف الشعب حول مقاومته، وإيمانه بخيار المقاومة.

      3.3. العدو مرغم على الاتفاق وخياراته محدودة

      لم يكن الاحتلال ليذهب إلى هذا الاتفاق لولا أنه أُجبر عليه. خياراته أصبحت محدودة، بعد أن فشل في تحقيق أهدافه بالقوة العسكرية. كان بإمكانه التوصل إلى هذا الاتفاق مبكراً وتجنب الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات، لكن الغطرسة والاستعلاء أعمت بصيرته.

      4-الاستقطاب حول الاتفاق: نصر أم استسلام؟

        يشير الدكتور الرنتاوي إلى وجود حالة استقطاب حول الاتفاق على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يرى البعض فيه “استسلاماً”، بينما يرى آخرون “نصراً”.

        4.1. السردية الفلسطينية تحظى بتأييد واسع

        يؤكد الدكتور الرنتاوي أن غالبية الرأي العام الفلسطيني والعربي يتبنى السردية الفلسطينية، وسردية المقاومة تحديداً. هذا لا يعني عدم وجود أصوات أخرى مخالفة، لكنها تبقى محدودة التأثير، وغالباً ما تكون محسوبة على مراكز صنع قرار رسمية أو الذباب الإلكتروني.

        4.2. معايير النصر في الحروب غير المتناظرة

        في الحروب غير المتناظرة، وفي صراعات المقاومة والاحتلال، يُقاس النصر بمعايير مختلفة. النصر هنا يعني “إحباط مساعي العدو، ومنعه من تحقيق أهدافه”. يعني رفع راية الرفض والتحدي، والتشبث بالحقوق والمقدسات. لم يكن الهدف من “طوفان الأقصى” تحرير فلسطين بالكامل، بل كان جزءاً من سلسلة متراكمة من النضالات والمكتسبات.

        4.3. إجهاض أهداف الاحتلال وتحقيق مكاسب

        الاتفاق الحالي يمثل نصراً جزئياً، ولكنه هام. فقد أجهض مشروع التهجير، وأفشل مخطط استئصال المقاومة، وأجبر الاحتلال على الانسحاب. هذه مكاسب تحققت بفضل صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته الجسيمة.

        4.4. فواتير التحرر باهظة ولكنها ضرورية

        يستنكر الدكتور الرنتاوي الأصوات التي تنتقد “الكلفة العالية” للتحرير. يؤكد أن كل حركات التحرر في التاريخ دفعت فواتير باهظة ومكلفة. ويذكر بتضحيات الثورة الجزائرية كنموذج، ويؤكد أن دماء وتضحيات الشعب الفلسطيني ليست رخيصة، بل هي مصدر إلهام وعزيمة للأجيال القادمة.

        4.5. غزة تبعث بصورتين: الكارثة والبطولة

        يرى الدكتور الرنتاوي أن غزة تبعث بصورتين متلازمتين: صورة الكارثة الإنسانية التي لا يمكن تجاهلها، وصورة البطولة والصمود التي لا تقل أهمية. الاكتفاء بأي من الصورتين يمثل قصوراً في فهم الواقع. يجب أن نرى الصورتين معاً، وأن نتعامل معهما بواقعية ومسؤولية.

        5-مستقبل غزة والضفة الغربية: تحديات وفرص

          يتناول الدكتور الرنتاوي مستقبل القضية الفلسطينية بعد “طوفان الأقصى”، ويرى أننا أمام مرحلة استراتيجية جديدة.

          5.1. القضية الفلسطينية تعود إلى صدارة الاهتمام العالمي

          بعد عقود من التهميش، عادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي. لم تعد مجرد قضية هامشية في السياسة الخارجية للدول، بل أصبحت جزءاً من السياسة الداخلية، ومؤثراً في الانتخابات، وجزءاً من حراك عالمي مناهض للفاشية والعنصرية. هذه فرصة نادرة يجب استثمارها والبناء عليها.

          5.2. إسرائيل بعد الطوفان: دولة فاشلة تتآكل من الداخل

          يرى الدكتور الرنتاوي أن إسرائيل بعد “الطوفان” لن تكون كما كانت قبله. بدأت تظهر عليها مظاهر “الدولة المشرقية الفاشلة”، من استقطاب داخلي، وتنامي دور الدين في السياسة، وتصاعد التطرف، وتشكيل ميليشيات سائبة. هذا التآكل الداخلي يضاف إلى الخسائر في صورتها الدولية، وصورتها كدولة “أبارتيد” و”إبادة جماعية”.

          5.3. المقاومة المسلحة: خيار استراتيجي لا يمكن تجاوزه

          يؤكد الدكتور الرنتاوي أن المقاومة المسلحة تبقى خياراً استراتيجياً لا يمكن تجاوزه في مسيرة التحرر. صحيح أن المقاومة قد تكون تكبدت خسائر، لكنها قادرة على تجديد رصيدها، وابتكار أدوات جديدة للمقاومة. ويشير إلى إبداع الشعب الفلسطيني في ابتكار أساليب المقاومة في كل مرحلة، من الحجر إلى الصواريخ، ومن العمليات الفردية إلى العمليات المنظمة.

          5.4. تأثير الطوفان على المشهد العربي والإقليمي

          يرى الدكتور الرنتاوي أن “طوفان الأقصى” سيحدث تغييرات جوهرية في المشهد العربي والإقليمي. قد يعيد الاعتبار لحركات الربيع العربي، ويعزز مكانة الإسلام السياسي، ويؤدي إلى تغييرات في الأنظمة العربية. ويشير إلى التغيير الذي حدث في سوريا كنموذج، ويعتبره رسالة بأن “بقاء الحال من المحال”.

          5.5. مفاجآت المنطقة مستمرة والصراع وجودي

          يؤكد الدكتور الرنتاوي أن منطقة الشرق الأوسط “أم المفاجآت”، وأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحول إلى صراع وجودي، “إما نحن أو هم”. لا يوجد حل قريب للصراع، والمواجهة مفتوحة وطويلة الأمد. ويختم بالتأكيد على ضرورة الإيمان بخيار المقاومة كأولوية قصوى، وابتكار أشكال وأساليب وتحالفات جديدة لمواجهة هذا التحدي الوجودي.

          خاتمة:

          في ختام هذا التحليل العميق، يتضح أن ما حدث في غزة يتجاوز مفهوم “وقف إطلاق النار” التقليدي. إنه يوم تاريخي تجسدت فيه معاني الصمود والعزة والكرامة، ويوم يحمل في طياته دلالات نصر بمعايير المقاومة. صحيح أن الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً، والتحديات جسيمة، لكن غزة ألهمت العالم بصمودها، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام، وفتحت الباب لمرحلة استراتيجية جديدة في مسيرة التحرر. يبقى الأمل معقوداً على استثمار هذه اللحظة التاريخية، وتوحيد الصفوف، واستنهاض الطاقات، لمواصلة النضال نحو تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

          شاهد الحلقة كاملة ولا تنس التعليق والمشاركة

          اترك تعليقاً

          لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

          زر الذهاب إلى الأعلى