سوريا الثورة: بشائر ومحاذير – تحليل استراتيجي لمرحلة ما بعد الأسد

يُشكل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بعد أكثر من 13 عاماً من الحرب الأهلية، منعطفاً تاريخياً حاسماً في المنطقة، يحمل في طياته بشائر أمل كبيرة، لكنه يفرض أيضاً تحديات ومخاطر جمة تتطلب قراءة استراتيجية دقيقة. في هذا المقال، سنحلل تصريحات الدكتور وضاح خنفر حول هذا الحدث الهام، مستعرضين البشائر والمحاذير التي تلوح في الأفق.
النعم الإلهية وسنن الله في السياسة
يبدأ الدكتور خنفر حديثه بمقولةٍ لابن عطاء الله السكندري حول “الواردات الإلهية” التي تأتي بغتة، مشيراً إلى أن ما حدث في سوريا يُعتبر من النعم التي أنعم الله بها على الأمة في هذا الظرف العصيب. ويؤكد على أن السياسة والاستراتيجية تخضعان لسنن إلهية أعلى من الأسباب المادية التي تُركز عليها النظريات الغربية. فهو يرى أن فهم الواقع يتطلب استحضارًا دائمًا لأصل الخير من عند الله، قبل التفسير البشري للأحداث.
سوريا: قلب العالم وقلب الأمة الإسلامية
يُشدد الدكتور خنفر على المكانة الاستراتيجية لسوريا، ليس فقط على المستوى الجغرافي والسياسي، بل أيضاً على المستوى التاريخي والحضاري. فهي “قلب العالم” كما وصفها نابليون، و”قلب الأمة الإسلامية” كما يرى ابن خلدون، و”مفتاح الشرق الأوسط” حسب تشيرشل، و”مختبر التاريخ” كما وصفها كيسنجر. هذه المكانة تجعل من تحركات سوريا ذات تداعيات عالمية واسعة النطاق، وتُفسر تفاجؤ العديد من المحللين الاستراتيجيين الغربيين من مجريات الأحداث.
فشل الغرب في قراءة الواقع العربي
يُبرز الدكتور خنفر فشل الغرب المتكرر في فهم الواقع العربي والإسلامي، ويرجع ذلك إلى أسبابٍ رئيسية:
- عقده الراهن: يعتمد التفكير الاستراتيجي الغربي بشكلٍ كبير على “الراهن”، أي الوضع الحالي، دون استحضارٍ عميقٍ للتاريخ وذاكرة الأمة.
- غياب الذاكرة التاريخية: يفتقر الغرب إلى ذاكرة تاريخية عميقة كالتي يتمتع بها العرب والمسلمون، مما يمنعه من فهم الاستمرارية والتطور في سلوكياتهم.
- عدم فهم طبيعة رد الفعل العربي: لا يستطيع الغرب التنبؤ بردود فعل العرب والمسلمين، التي قد تبدو هادئة في الظاهر، لكنها تنفجر بقوة عندما تتوافر الفرصة المناسبة.
سوريا: ذاكرة المكان وذاكرة الإنسان
يُشير الدكتور خنفر إلى “ذاكرة المكان” و”ذاكرة الإنسان” في سوريا، مؤكداً على تميز سوريا بتعاقب الحضارات والإمبراطوريات عليها عبر آلاف السنين. هذا التاريخ العريق قدّ شكل شخصيةً سوريةً تتميز بالمرونة، وقدرة التكيف، والقدرة على الإبداع.
كما يوضح أن سوريا، كبوابةٍ لثلاث قارات، كانت دائماً هدفاً لأطماع القوى الإقليمية والعالمية، وهذا ما شكل تحدياتٍ كبيرةً لسكانها، لكنه أيضاً منحهم قدرةً عاليةً على التكيف والمقاومة.
الدروس من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
يُبرز الدكتور خنفر أهمية التوجه الاستراتيجي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم نحو الشام، مُشيرًا إلى أن هذا التوجه لم يكن وليد الصدفة، بل كان بناءً على فهمٍ عميقٍ لمكانة الشام الاستراتيجية، كمفتاحٍ للعالمية الإسلامية. ويُحلل الاختيارات الاستراتيجية للنبي محمد وأبي بكر وعمر بن الخطاب في الفتوحات الإسلامية، مُظهراً أهمية الشام كمنطلقٍ أساسيٍ للتوسع الإسلامي.
المقاومة السورية: حربٌ على الإرادة
يوضح الدكتور خنفر أن الحرب في سوريا استمرت لمدة 13 عاماً، وكانت حرباً على إرادة الشعب السوري، حرباً على أي مفهومٍ للتحرر، ومحاولة لإعادة تصميم السيكولوجيا السورية على أساس الخضوع والاستسلام. لكنّ إرادة الشعب السوري، كما تجلّت في مقاومته الباسلة، رفضت هذا المشروع.
التغيير في سوريا: مفاجأةٌ للجميع
يُشير إلى أن التغيير في سوريا فاجأ الجميع، حتى النظام السابق نفسه. فقد توقع الجميع مجازر وحشية، لكنّ ما حصل كان مختلفاً. فقد أظهر الثوار السوريون قدرةً عاليةً على التنظيم، والتعامل الحضاري، مُفاجئين بذلك الجميع.
المخاطر والمحاذير
يُحذر الدكتور خنفر من عدة مخاطرٍ ومحاذير في المرحلة المقبلة:
- دور القوى الدولية والإقليمية: يُشير إلى حالة الترقب والانتظار لدى القوى الدولية والإقليمية (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، إسرائيل، تركيا، دول الخليج)، مُشيراً إلى أن هذه القوى قد تحاول التدخل في الشأن السوري لتحقيق مصالحها الخاصة. ويُحذر بشكل خاص من دور إسرائيل، التي تسعى إلى إضعاف المحور الإيراني، واحتلال مزيدٍ من الأراضي السورية.
- عودة داعش: يُحذر الدكتور خنفر من عودة داعش، مُشيراً إلى أنها قد تُستخدم كذريعةٍ لتدخلٍ عسكريٍ جديدٍ في سوريا.
- التقسيم: يُحذر من خطر تقسيم سوريا، مُشيراً إلى أطماعٍ خارجيةٍ في تقسيم البلاد وفقاً لخطوطٍ طائفيةٍ أو عرقية.
- الانتخابات المبكرة: يُحذر من الاستعجال في إجراء انتخاباتٍ مبكرة، مُشيراً إلى أنها قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الطائفية والعرقية.
- أهمية المرحلة الانتقالية: يُؤكد على ضرورة مرحلة انتقالية مدروسة ومدعومة من القوى الثورية، تُركز على بناء المؤسسات، وتشكيل قواتٍ أمنيةٍ جديدة، وتعزيز منظمات المجتمع المدني.
- أهمية دور الشباب السوري: يُشدد على ضرورة عودة الخبرات السورية في الخارج للمساهمة في إعادة بناء البلاد.
الخاتمة
يختتم الدكتور خنفر حديثه بالتأكيد على أهمية الوعي والرشد والحكمة في التعامل مع المرحلة المقبلة، مُحذراً من مغبة الاستعجال، والتفكير بالمخاطر، وإعطاء الشعب السوري الفرصة لإعادة بناء بلاده باستقلاليةٍ وحرية. ويُشدد على ضرورة التعاون بين القوى الإقليمية والدولية لضمان استقرار سوريا وعدم السماح بإعادة إشعال الحرب الأهلية.






