تجديد نظرية الإسلام السياسيّة: نحو رؤية معاصرة تنطلق من حرية الاعتقاد

مقدمة:

في خضمّ التحولات الفكرية والاجتماعية التي يشهدها العالم الإسلامي، يبرز سؤال التجديد في الفكر الديني، وخاصةً في نظرية الإسلام السياسيّة، كضرورة ملحة لمواكبة العصر وتحدياته. فهل يمكن لنا أن نعيد قراءة التراث السياسي الإسلامي برؤية معاصرة، تستلهم جوهر الدين وتُعيد الاعتبار لقيم الحرية والاختيار؟ هذا ما يحاول الدكتور محمد كمال الشريف، الطبيب النفسي والباحث في الدراسات الإسلامية، مقاربته في كتابه “الميزان: تجديد نظرية الإسلام السياسيّة”، الذي يقدم فيه أطروحة جريئة تدعو إلى إعادة بناء النظرية السياسيّة الإسلامية على قاعدة “لا إكراه في الدين”.

في هذا المقال، سنستعرض أبرز الأفكار التي طرحها الدكتور الشريف في كتابه ومحاضرته، مُحلّلين ومُبسّطين لأهم المفاهيم، ومُسلطين الضوء على النقاط التي تستحق التوقف والتأمل، وذلك بهدف إثراء النقاش حول تجديد الفكر الإسلامي السياسي، وفتح آفاق جديدة لفهم علاقة الدين بالدولة والمجتمع في عالمنا المعاصر.

1. الأساس النفسي لحرية الاعتقاد في الإسلام:

يرى الدكتور الشريف أن جوهر التجديد الذي يدعو إليه يرتكز على قوله تعالى: “لا إكراه في الدين”. ويبدأ تحليله من العمق النفسي للإنسان، مؤكداً على أن الحرية هي فطرة إنسانية أصيلة، وأن الإيمان الحقيقي ينبع من قناعة واختيار حر، لا من إجبار أو قسر.

2. القضاء والقدر والخلق والأمر: رؤية جديدة لا تتعارض مع العلم:

ينتقل الدكتور الشريف إلى الأسس العقدية، وتحديداً مفهوم القضاء والقدر، ليقدم فهماً جديداً ينسجم مع العلوم الحديثة ولا يتعارض مع حرية الإنسان ومسؤوليته.

3. دولة الكتاب والحكمة: نحو نظام حكم رشيد:

يقترح الدكتور الشريف تصوراًّ جديداً للدولة في الإسلام، يرتكز على مفهوم “دولة الكتاب والحكمة”، مستلهماً ذلك من الآيات القرآنية التي تصف رسالة الرسل بتعليم الكتاب والحكمة.

4. الخلافة في الأرض: مسؤولية الإنسان في تحقيق أسماء الله الحسنى:

ينظر الدكتور الشريف إلى مفهوم الخلافة في الأرض بمنظور إنساني واسع، يتجاوز البعد السياسي الضيق، ويركز على المسؤولية الفردية لكل إنسان في تحقيق أسماء الله الحسنى في نفسه وفي الأرض.

5. حرية الاعتقاد في النظام السياسي الإسلامي: لا إكراه في الدين أصلاً ومنهجاً:

يناقش الدكتور الشريف قضية حرية الاعتقاد في النظام السياسي الإسلامي، ويؤكد على أن “لا إكراه في الدين” هو أصل ثابت ومنهج يجب اتباعه، حتى في التعامل مع المرتدين.

6. الديمقراطية والشورى: نحو حكم الشورى الملزمة:

يربط الدكتور الشريف بين مفهوم الشورى في الإسلام ومبادئ الديمقراطية الحديثة، مؤكداً على أن الشورى في الإسلام يجب أن تكون لازمة وملزمة للحاكم، وليست مجرد استشارة غير ملزمة.

7. نقد مفهوم الحاكمية: العودة إلى بساطة لا إله إلا الله:

ينتقد الدكتور الشريف بشدة مفهوم “الحاكمية” الذي ظهر في الفكر الإسلامي المعاصر، ويرى أنه مفهوم مستحدث وغريب عن جوهر الدين الإسلامي، ومستورد من الفكر الغربي.

خاتمة:

في الختام، يمثل كتاب “الميزان: تجديد نظرية الإسلام السياسيّة” للدكتور محمد كمال الشريف إضافة نوعية للفكر الإسلامي المعاصر، حيث يقدم أطروحة جريئة ومستنيرة تدعو إلى تجديد النظرية السياسيّة الإسلامية على قاعدة “لا إكراه في الدين”. هذه الأطروحة تفتح آفاقاً جديدة لفهم علاقة الدين بالدولة والمجتمع، وتؤكد على قيم الحرية والاختيار والعقل والاجتهاد، وتقدم رؤية معاصرة للإسلام السياسي قادرة على مواجهة تحديات العصر والإسهام في بناء مستقبل أفضل للعالم الإسلامي والإنسانية جمعاء.

شاهد الحلقة كاملة ولا تنس التعليق والمشاركة

Exit mobile version